في موقف "الميكروباص" بمدينة كوم حمادة، الساعة تقترب من التاسعة والنصف صباحا، فيما يسترق المسافرون النظر إلى شاشة التليفزيون بأحد مقاهى المحطة. لم يحضر المستشار أحمد رفعت إلى قاعة المحكمة بعد، ولم يحضر "الميكروباص" الذي سينقل الركاب أنفسهم إلى القاهرة. يصل الميكروباص أخيرا إلى المحطة، يركب المسافرون، الذين تختلف أعمارهم وتتباين فئاتهم. يتحرك "الميكروباص" بسرعة، يحرك تيارات الهواء صفحات الجريدة التى يطالعها أحد الركاب، يقرأ تفاصيل المتابعة الصحفية لمحاكمة القرن. كاتب يتوقع البراءة لمبارك، ومحلل يرى أن الخيار الأفضل والأنسب لهذه المرحلة هو تأجيل إصدار الحكم. يخرج صوت المستشار أحمد رفعت عاليا، من راديو "الميكروباص"، قلل السائق من سرعته، وأغلق الركاب النوافذ طلبا للهدوء، فقد بدأت محاكمة القرن، وبدأ القاضي فى تلاوة "ديباجة الأحكام". أحدهم يتوقع: "على الكلام الحلو ده يبقى القاضى هيحكم بالإعدام". "السجن المؤبد لمبارك ووزير داخليته"، ينطق القاضي بالأحكام، تصفيق حار، الركاب يصافح بعضهم بعضها من الفرحة، رغم أن أحدا منهم لا يعرف الآخر. جاءت باقى الأحكام على لسان المستشار أحمد رفعت، لتصدم الركاب جميعا، إذ برأ الرجل كافة قيادات وزارة الداخلية المتهمين بقتل المتظاهرين. فقد الجميع الرغبة فى الكلام. يقول أحدهم :"مطبوخة، ضحوا بمبارك والعادلى، وفى النقض هيأخدوا براءة". يتابع آخر ساخرا: "جمال مبارك هو رئيس مصر بعد القادم"، وتساءل ثالث: "أومال مين اللّى قتل الشهداء؟". فاجأتهم هتافات أهالى الشهداء من داخل المحكمة، التى نقلتها موجات الراديو: "الشعب يريد تطهير القضاء". تحليل لأحد الكتاب الصحفيين بثته الإذاعة نفسها، قطع حديث الركاب، حين قال بأن ماحدث فى محاكمة اليوم هو جزء من المواءمات السياسية التى يتبعها المجلس العسكرى فى الفترة الانتقالية، ملمحا إلى عدم استقلالية مؤسسة القضاء، مشيرا إلى أنها نفس المؤسسة التى أعلنت فى 2010 نزاهة الانتخابات البرلمانية التى جرى تزويرها. يعلق أحد الركاب "إحنا أملنا فى المرشح الرئاسي محمد مرسى، عشان يعيد المحاكمات المضحكة دى، الحكم ده فى مصلحة مرسى فى جولة الإعادة". "يرن" هاتف أحدهم، يرد قائلا "أيوة يا ماما.. شفتى اللى حصل؟"، وفيما يبدو أنها أخبرته بأن الحكم مناسب، إذ رد عليها بعنف "مناسب إيه، لما الشاعر ورمزى وجمال وعلاء وحسين سالم يطلعوا براءة، يبقى مين اللى قتل الشباب، مبارك خلاص هيموت، أنا كنت عارف أن فريد الديب ابن .... هيطلعهم براءة"، ويستطرد: "ربنا يستر على البلد، لو شفيق جه كلهم هيطلعوا براءة، مفيش قدامنا غير إننا ننتخب الإخوان وأمرنا لله، لو شفيق جه هيرمينا فى السجون، ويطلع فينا القديم والجديد".