تستطيع إذن أن تستخدم لقبين كاريكاتيريين، تخفيفاً لوطأة اسم هذا المشوش، المتحول: إما «فهمى على قدّى» إذا كان الأمر يتعلق ب«ضيق أفق» يتنافى وادعاء الليبرالية؛ إذ انتهى إلى انحياز لا تخطئه عين إلى فاشية دينية بغيضة ومدمرة، وإما «فهمى رقبة الوزة» إذا كان الأمر متعلقاً ب«التواءاته» وتعرُّجاته السياسية والفكرية الكثيرة. وعلى ذكر الألقاب، يتحفظ هذا ال«هويدى» على تصنيفه «كاتباً إسلامياً».. رغم أنه لم يكتب إلا فيما هو «إسلامى»، ويصر على الاكتفاء بلقب «صحفى».. رغم خلطه المتكرر والفج بين تجرد الصحافة وانحيازات السياسة. وإذا كان إلصاق صفة «إسلامى» بكاتب أو صحفى يُعد عاراً أو تهمة أو على الأقل تأطيراً غير محبَّب بالنسبة لهذا ال«هويدى».. فلماذا تخصص فى معالجة الشئون الإسلامية؟ لماذا كان ولا يزال حريصاً على ألا تفوته ندوة أو مؤتمر إسلامى؟ وماذا عن رحلاته المكوكية إلى كثير من الدول الإسلامية (دون غيرها) فى آسيا وأفريقيا أثناء عمله فى مجلة «العربى» الكويتية؟ ثم ما حقيقة ارتباطه بنظام «الملالى» فى إيران، معقل المذهب الشيعى، خاصة بعد الجرائم المروعة التى ارتكبها وما زال يرتكبها هذا النظام فى العراق، والتهديدات المستمرة لجيرانه فى منطقة الخليج؟ وأين يقف من تلك المواجهة السافرة التى تديرها وترعاها أمريكا بين المذهبين السنى والشيعى.. أين يحج بالضبط: فى «مكة» أم فى «قم»؟ ومن يدفع أكثر؟ وكيف يستقيم الولاء لنقيضين فى قلب رجل واحد؟ السؤال الأهم: إذا كان يرفض قولبته فى إطار «الكاتب الإسلامى».. فلماذا كان يحوم حول موائد الإخوان -وهم فى الحكم- كذباب القبور، رغم إدراكه أنهم جماعة فاشية، سوّقت نفسها للمصريين ونصبت عليهم باسم «المشروع الإسلامى»؟ وما كل هذا التبجح فى الدفاع عنهم -بعد زوال حكمهم- واستجداء الفرصة لإعادتهم إلى المشهد السياسى، والتحذير من إقصائهم؟ إذا كان لما جرى فى 25 يناير 2011 وما أعقب ذلك من صعود الإخوان واستيلائهم على السلطة أية ميزة.. فهى رفع الغطاء عن المكوِّن الفاشى فى بنية فهمى هويدى الفكرية والثقافية، وفضح انحيازه الأعمى لوهم المشروع «الإسلامى»، ولمصلحة جماعته الفاشية على حساب مصلحة الوطن. لذا لا أتفق مع الصديق مصطفى بكرى حين وصف هويدى -تعقيباً على دعوة الأخير إلى تقسيم سوريا دولتين: علوية وسنية- بأنه «كبر.. وخرف». فهذه الدعوة ليست هلاوس رجل بلغ من العمر أرذله (من مواليد 1937)، بل هى جزء من سياق طائفى مقزز، يهدف -ضمن سياقات أخرى كثيرة تتبناها جماعته البغيضة وحلفاؤها فى الداخل والخارج- إلى تقويض فكرة «الدولة» فى سوريا، ومن ثم مصر، على غرار ما جرى فى تونس وليبيا واليمن. ولن يختلف الأمر كثيراً إذا تأملنا دوافع هذا المتحول المشوش فى هجومه البذىء والسافر على شيخ الأزهر إثر زيارة الأخير إلى دولة الإمارات فى مايو الماضى. لقد أسس هويدى موقفه من هذه الزيارة على خلفية صراع قديم بين الإخوان ودولة الإمارات.. بدأ منذ تصدى الراحل العظيم زايد بن سلطان لوجودهم فى دولته الناشئة، ووصفهم بأنهم أهل تقية، وبأنهم دمويون، مخربون، وطالب بتطهير الأرض من رجسهم. واستمر هذا العداء بالوتيرة نفسها وصولاً إلى ضاحى خلفان الذى لم يدخر جهداً فى حصارهم وملاحقتهم والزج بهم فى السجون رغم أن عددهم فى الإمارات يتجاوز المائة بقليل. وفى سياق هجومه على شيخ الأزهر وصف هويدى زيارته للإمارات بأنها «غير بريئة»، إذ تأتى على حد قوله كاستجابة لدعوة دولة «على غير صفاء أو وئام مع الدولة المصرية»، وهذا خلط مغرض وفج بين «الجماعة» و«الدولة». أضف إلى ذلك تلك الغصّة الكامنة فى نفوس الإخوان بسبب موقف الدكتور أحمد الطيب المتشدد من ميليشياتهم فى جامعة الأزهر عندما كان رئيساً لها. وقد برر هويدى موقف الدكتور الطيب وقتها بتعرضه لضغوط أمنية من ناحية، وبسبب خلفيته الصوفية من ناحية أخرى. إن كارثة هويدى لا تكمن فقط فى ولائه المريب للإخوان، هذا الولاء الذى بدا واضحاً منذ ما سُمى «استفتاء الجنة والنار» الذى طبخه المستشار طارق البشرى فى 19 مارس 2011، ثم استماتته فى الدفاع عن وجودهم فى الحكم من خلال انتقاد سياساتهم بأسلوب «أدعى على ابنى واكره اللى يقول آمين»، بل تكمن أيضاً فى استمرار هذا الولاء وتلك الاستماتة بعد زوال حكمهم بإرادة شعبية كاسحة. فعلى الرغم من جرائمهم المروعة خلال سنة واحدة فى الحكم، وبعض هذه الجرائم يرقى إلى حد الخيانة العظمى.. ما زال فهمى هويدى يتخفى -كغيره من دعاة المصالحة الوطنية وأصحاب الأجندات المشبوهة مثل الأخ عمرو حمزاوى- وراء أكذوبة الديمقراطية، ويصر على ضرورة استيعاب ودمج هؤلاء القتلة، المخربين، الإرهابيين، الداعين ليل نهار إلى هدم الدولة، وإعادتهم إلى الحياة السياسية. بل ويتهم المطالبين بإقصائهم بأنهم «فاشيون».. فأى تبجح ومغالطة أكثر من ذلك؟ لقد خصّنى هذا ال«هويدى» بمقال فى جريدة «الشروق» بعنوان «فاشية جديدة»، اقتطع فيه جزءاً من مقال كنت قد نشرته فى «الوطن» عن طفل الليبرالية المدلل عمرو حمزاوى، وعن غشاوة الديمقراطية التى أوقعته فى مواقف كثيرة مخزية، ومشبوهة. وأزعم أننى عبّرت فى هذا المقال عما يجيش فى صدور قطاعات واسعة: ليس فقط من المواطنين العاديين الذين اكتووا بجحيم الإخوان.. بل من النخبة نفسها. وبقدر إصرارى على ضرورة إقصاء هؤلاء الإرهابيين من الحياة السياسية وعزلهم فى جيتوهات كاليهود.. فإننى ما زلت مصراً على انحيازى للجيش وللحكم العسكرى، طالما أن «المسار الديمقراطى» لا يزال مضطرباً، ويبشر بإعادة إنتاج هذه الفاشية الدينية، وطالما أن دعاته مشبوهون وانتقائيون كالأخ حمزاوى. وإذا كان هويدى رأى فى موقفى هذا «فاشية جديدة».. فإننى أسأله؛ بحق الذين يموتون كل صباح فى سيناء وفى شوارع القاهرة والأقاليم، وبحق الدولة التى تسعى جماعته الفاشية وتنظيمها الدولى وحلفاؤها فى الداخل والخارج إلى هدمها وجرّ جيشها إلى حرب أهلية لا تُبقى ولا تذر: ألا ترى أن انحيازك لهذه الجماعة جريمة تستوجب إقصاءها وإقصاءك أنت وأمثالك أيضاً؟ كيف تدعو لمصالحة مع جماعة تضع وجودها ومصالحها فوق وجود ومصالح الوطن، وتستنجد بقوى أجنبية لتعود وتجلس على أنقاضه؟ ألا تؤلمك «مصريتك» وأنت ترى كهنة التنظيم الدولى يخططون لإحراق بلدك؟ ألم يعد لديك بقية من حس وطنى يجعلك تغضب أو تقشعر وأنت ترى جيش مصر يهان على منصات إرهابيّيك، وينهشه البلطجية وكلاب السكك ومرتزقة الربيع العربى؟ أقولها لك ولأمثالك من أصحاب الأجندات وتجار الفتن: إذا كان انحيازى لجيش مصر وكراهيتى لجماعتك الحقيرة «فاشية».. فهذا شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها.