إلى يومنا هذا تحرم المرأة من العمل فى القضاء، حتى المتفوقات فى دراسة القانون، باستثناء تعيين ما يقرب من 42 قاضية بعد جهد جهيد لأكثر من عشرين سنة، رغم أن كل الدول العربية والإسلامية فيها قاضيات بأعداد أكبر من مصر، يتم تعيينهن على قدم المساواة بنفس الشروط والمعايير التى تنطبق على الجميع، حتى إن مجلس الدولة وهو الجهة المنوط بها تنفيذ الدستور وتؤكد على المساواة بين المواطنين، يرفض تعيين المرأة بحجج متعددة بدءاً من الادعاء بأن الشريعة الإسلامية لا تسمح، انتهاء بعدم وجود حمامات لائقة للقاضيات. هذا الأمر يبدو عجيباً حينما نرى منذ ألف وأربعمائة سنة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يستعين بالسيدات فى أخذ الرأى، أى بلغة العصر «مستشارة»، بل ورد فى السيرة أن بعض النساء كن يعملن قاضيات حسبة فى عصر النبوة منهن «سمراء بنت نهَيك الأسديّة» وغيرها، حيث كان هناك من الصحابيات على عهد النبى يحتسبن، وأقرهن على ذلك النبى صلى الله عليه وسلم، ولم تكن هناك ولاية مختصة بالحسبة، بل كانت الحسبة بشكل تطوعى، ومن ثم يصبح المعيار هو الكفاءة وفقط دون معايير تخضع للأهواء الشخصية. فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب بدأ يبنى نظام دولة وهنا بنى نظاماً قضائياً وتم تعيين أول قاضية فى الإسلام وهى ليلى بنت عبدالله العدوية القرشية التى لقبت ب(الشفاء)، وقد لقبت بهذا اللقب لأنها كانت تداوى المرضى قبل الإسلام بمكة فغلب عليها هذا اللقب، واعتنقت الإسلام مع أوائل من آمن بالإسلام، وهاجرت من مكة إلى يثرب معهم. كانت أيضاً بمثابة أول معلمة حيث كانت من القلائل الذين عرفوا القراءة والكتابة فى الجاهلية وكانت تكتب بالعربية فى الوقت الذى كانت الكتابة فى العرب قليلة، لذا أعطاها الرسول داراً عند الدكاكين بالمدينة فحولتها إلى مركز تعليمى، وممن تعلموا فيها حفصة ابنة «عمر» وزوجة النبى صلى الله عليه وسلم. كما كانت «الشفاء» طبيبة تخصصت فى معالجة الأبدان، وكانت تخرج مع النبى (عليه الصلاة والسلام) فى غزواته فتداوى الجرحى، وكان يأتيها الصحابة فى بيتها للتطبيب واشتهرت بعلاج «النملة»، (النملة نوع من التقرحات تصيب الجلد). وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يثق برأيها ويقدم كلامها على غيرها، حتى إنه ولاها على نظام الحسبة فى السوق أو كما يسمى ذلك البعض قضاء الحسبة وقضاء السوق، وجعلها تفصل فى المنازعات التجارية والمالية، وهى بمثابة قاضى محكمة تجارية فى هذا العصر. والحسبة هى منصب من مناصب الحكم يتولى فيه المحتسب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بكافة الطرق المشروعة، يمكن أن نسميها بلغة اليوم مؤسسات رقابية على الأنشطة التى تتعلق بمصالح الناس للتأكد من أنها تتم وفقاً للعدل. كما كانت راوية حديث، أخذ عنها أحاديث عدة عن الرسول وعن عمر بن الخطاب، وروى عنها ابنها «سليمان» وآخرون من أحفادها، وقد روى لها «البخارى» فى كتاب الأدب وكتاب أفعال العباد، كما روى لها أبوداود والنسائى. القيمة لكونها راوية حديث هى الشهادة، هى تشهد على رسول الله وتنقل أحاديث فيها شريعة المسلمين وأحكام عنهم، ما يؤكد خطأ تفسير آية الشهادة والموقف من شهادة المرأة أو توليها القضاء. ويظهر أن ما يتم تداوله لأكثر من ثلاثين عاماً على أنه الدين الإسلامى، ترويج لدين آخر لا يمت للإسلام بصلة، وإنما كتب بأهواء وأغراض ومآرب من أولها ظلم المرأة باسم الدين، ما أدى لظلمهما معاً وقد آن الأوان لرفع الظلم عنهما معاً؛ المرأة والدين. وكل عام وأنتم بخير