وزير قطاع الأعمال العام ومحافظ الإسكندرية يبدأن جولة تفقدية بمنطقة المعمورة بلقاء عدد من نواب البرلمان    رئيس هيئة الأوقاف يوجّه مديري المناطق "بالحفاظ على ممتلكات الهيئة وتعظيم الاستفادة منها"    أسعار الأسماك بأسواق مطروح اليوم الخميس 31-7- 2025.. البورى ب 150 جنيه    دول الخليج تجدد دعمها الثابت لفلسطين وتدعو لتحرك عاجل بمجلس الأمن    عباس شراقي: زلزال روسيا الأعنف منذ 2011.. وفعالية الاستعدادات أنقذت الأرواح    الزمالك يتلقى ضربة قوية بشأن صفقته الجديدة قبل بداية الدوري    ضبط أحد الأشخاص بتهمة فك شفرات القنوات المشفرة بالعمرانية    الأرصاد: انخفاض تدريجي في الحرارة اليوم الخميس 31 يوليو واضطراب بالملاحة البحرية    عمرو دياب يتصدر التريند بعد طرح كليب "خطفوني" ويشعل الصيف بمشاركة ابنته جانا    سوريا.. 47 شاحنة مساعدات تتجه من دمشق إلى السويداء    إذاعة الجيش الإسرائيلى: انتحار جندى بعد خدمته فى صفوف قوات الاحتياط    قناة السويس تحقق قفزات تاريخية.. تحوّل أخضر وتوسيع الإنتاج المحلي لتعزيز الاقتصاد المصري    أسعار الفضة اليوم الخميس 31 يوليو 2025.. بكم السبيكة وزن كيلو جرام؟    «الصحة»: المرور على 1032 منشأة صحية وتدريب 22 ألف متدرب لتعزيز سلامة المرضى    جهود أمنية مكثفة لكشف غموض وفاة سيدة بطلقات نارية داخل منزلها بقنا    إصابة شخصين في مشاجرة بسبب خلافات الجيرة بين عائلتين بالفيوم    تهريب ومخالفات وأحكام.. جهود أمن المنافذ 24 ساعة    قرار جمهوري جديد للرئيس السيسي.. (تفاصيل)    أشرف زكي من جنازة لطفي لبيب: فقدنا نجم كان مدرسة في الصبر    محلل فلسطينى: من يشكك فى الدور المصرى فضحته مشاهد دخول شاحنات المساعدات إلى غزة    هل انقطاع الطمث يسبب الكبد الدهني؟    يديعوت أحرونوت: نتنياهو يوجه الموساد للتفاهم مع خمس دول لاستيعاب أهالي غزة    ئيس الهيئة الوطنية للانتخابات يعلن اكتمال الاستعدادات لانطلاق انتخابات مجلس الشيوخ    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    حبس بائع خردة تعدى على ابنته بالضرب حتى الموت في الشرقية    صفقة تبادلية محتملة بين الزمالك والمصري.. شوبير يكشف التفاصيل    أساطير ألعاب الماء يحتفلون بدخول حسين المسلم قائمة العظماء    البابا تواضروس أمام ممثلي 44 دولة: مصر الدولة الوحيدة التي لديها عِلم باسمها    محمد رياض يكشف أسباب إلغاء ندوة محيي إسماعيل ب المهرجان القومي للمسرح    عروض فنية متنوعة الليلة على المسرح الروماني بمهرجان ليالينا في العلمين    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    انتخابات الشيوخ.. 100 ألف جنيه غرامة للمخالفين للصمت الانتخابي    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدّمت 23 مليونا و504 آلاف خدمة طبية مجانية خلال 15 يوما    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    رئيس قطاع المبيعات ب SN Automotive: نخطط لإنشاء 25 نقطة بيع ومراكز خدمة ما بعد البيع    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات البنية الأساسية والتطوير بمدن بالصعيد    خالد جلال يرثي أخاه: رحل الناصح والراقي والمخلص ذو الهيبة.. والأب الذي لا يعوض    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    مجلس الآمناء بالجيزة: التعليم نجحت في حل مشكلة الكثافة الطلابية بالمدارس    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    خروج عربات قطار في محطة السنطة بالغربية    رينو الفرنسية للسيارات تسجل خسارة صافية بلغت 11.2 مليار يورو في النصف الأول من 2025    الصيدلة 90 ألف جنيه.. ننشر مصروفات جامعة دمنهور الأهلية والبرامج المتاحة    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    مليون خدمة طبية خلال أسبوعين خلال حملة 100 يوم صحة    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    وزير الخارجية يلتقي السيناتور "تيد كروز" عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي    روسيا تعلن السيطرة على بلدة شازوف يار شرقي أوكرانيا    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    «مش هنسيب فلوسنا».. رسائل نارية من والد زيزو لمجلس الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفقا بالقوارير
نشر في المراقب يوم 11 - 06 - 2011

جميع ثورات الشعوب التي تفجرت مطالبة بتغيير نظام الظلم وأحكامه وحكامه وعودة الحقوق لأصحابها‏,‏ ومقاليد الأمور لنصابها‏,‏ كانت قياداتها منبثقة من بين صفوفها.
ومطالبها لسان حال أصحابها من أبناء الشعب الذي يريد.. جميعها.. ولكن.. ثورة القاهرة المباركة في عام914 ه كانت لها منزلة خاصة بين الثورات لا تدانيها في التاريخ منزلة, فقائدتها حفيدة رسول الله صلي الله عليه وسلم التي لمست أوجاع المصريين فصاغتها شعارات من حديد ونار كتبت سطورها بيدها.. السيدة نفيسة ضيفة المصريين الذين طرحوا حرامها علي صفحة النيل عندما غاض فزاد وفاض.. نفيسة الدارين العالمة الفقيهة الورعة الطاهرة.. نفيسة بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف, من أوصي الرسول صلي الله عليه وسلم بدفنها في مصر.. نفيسة مصر والمصريين من جاءت من نسل قوم عظمت السماء شأنهم, وأعلت الشريعة قدرهم, وخلد القرآن ذكرهم, ونزل الوحي في بيوتهم, وزارت الملائكة رحابهم, وجرت دماء النبي في عروقهم, وقال عنهم الرسول الكريم لسيدنا علي: إدن مني يا علي.. خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها فمن تعلق بغصن منها أدخله الله الجنة.. ومن واحد من تلك الأغصان, غصن القرن الأول للهجرة جاءت نفيسة أحد أغصان رياحين القرن الثاني الهجري.. نفيسة العلم التي قدمت إلي مصر في62 رمضان عام193 ه ليغدو بيتها ندوة يحج إليها العلماء وأئمة الفقهاء وشيوخ الزهاد وصفوة الصوفيين والعارفين أمثال الإمام الشافعي والإمام مالك وذو النون المصري.. و.. يستغيث المصريون من جور الحاكم ابن طولون بالسيدة الورعة قرة عين المصريين أجمعين, فتعقد اجتماعا للثوار في بيتها لتستعلم منهم عن موعد موكب ابن طولون, ومن بعد انصرافهم تجلس إلي قلمها الذي تدرب منذ الطفولة في حلقات العلوم والمعارف لتكتب بيان الثورة تعترض به في الغد طريق الحاكم وسط ميدان القطائع, حيث تطل عدة أبواب لكل باب اسمه, أحدها باب الجيش, وباب الحاشية, وباب دعناج, وباب الصوالجة, وباب الحرم, وباب الدرمون, وباب الصلاة الذي يوصل إلي جامع ابن طولون ويعلوه تمثالان لأسدين في وضع الانقضاض, وكان ابن طولون يخرج لساحة الميدان بمفرده من باب الجبل حيث انتظرته السيدة نفيسة, فما أن رآها حتي عرفها فترجل عن فرسه لساعته, وتسلم منها رقعة البيان الثوري الذي جاء فيها:
يا أحمد بن طولون وأبو خماروية.. أنتم ملكتم فأسرتم, وقدرتم فقهرتم, وخولتم ففسقتم, وردت إليكم الأرزاق فقطعتم, هذا وقد علمتم أن سهام دعوات السحر نافذة غير مخطئة لاسيما من قلوب أوجعتموها, وأكباد جوعتموها, وأجساد عريتموها, فمحال أن يموت المظلوم ويبقي الظالم, اعملوا ما شئتم فإنا صابرون, وجوروا فإنا بالله مستجيرون, واظلموا فإنا إلي الله متظلمون, وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. ويكتب عن المشهد التاريخي جمع من المؤرخين علي رأسهم القرماني في تاريخه, وصاحب الغرر, وشهاب الدين الأبشيطي صاحب المستطرف بما يفيد بأن ابن طولون قد استجاب للسيدة نفيسة وعدل عن سياسة الظلم في الحال..
وتطالعني هذه الأيام ومعذرة فإن اللفظة تطالع هنا لا تعبر عن حقيقة مقصدي, أو اتجاه مؤشر غايتي في الكلام, وكان أولي بي أن أكتب بدلا منها تصدمني هذه الأيام أو تصفعني هذه الأيام أو تكومني تحت رصيف هذه الأيام.. تلك الدعوي القضائية الحارقة الماحقة الفارقة التي ما كان يقدر لها أن ترفع من أصله, أو تقوم لها قائمة من أصله وفصله, أو تخطر علي بال صاحبها من أصله وفصله وجنسه لولا وجود الأرضية الخصبة والمعبدة لها, والمناخ القاري الذي هب علينا في أيامنا هذه ليلفح وجوهنا, ولم يكن لنا به سابق علم أو مواجهة المناخ الذي يحسن استضافتها ويوسع من صهد دوائرها.. تلك الدعوي التي سينظرها القضاء في جلسة2 يوليو القادم التي رفعها المحامي صلاح الدين السمان مطالبا بإلغاء قرار تعيين الأستاذة تهاني الجبالي كأول قاضية في المحكمة الدستورية العليا!!
وبهذا تطوي صفحات الكفاح المضني وسنوات الويل وظلام الليل, لبلوغ انفراجة قبس من نور, وخطوة علي الطريق.. بهذا تعرف نساء مصر حجمهن الطبيعي الملزم بتحجيمهن داخل أسوار الحرملك وخلف المشربية مهما طال الزمن بين ظلم وظلم.. بهذا تعود نساء مصر صواحب يوسف المعوجات اللائي خلقن من ضلع أعوج, وما أن أشرأبت أعناقهن قليلا تنادي بالمساواة حتي تأتي الدعوي بالشطب والتشفير ليقطع الحجاج رؤوسا قد أينعت وحان قطافها ومساواتها بالأرض بنظرته الضيقة التي تري أن من يقطع الصلاة ثلاثة: الكلب, والحمار, والمرأة.. بهذا يتغاضي من في قلبه مرض عن قول محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه: كلكم راع, وكلكم مسئول: الرجل راع, ومسئول, والمرأة راعية, ومسئولة, والنساء شقائق الرجال.. بهذا يتجاهل من لا يريد مواجهة اليقين في الآيات البينات من سورة الأحزاب في المساواة بين الجنسين: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات, والذاكرين الله كثيرا والذاكرات, أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما.. وبهذا يتعالي الذكور علي الإناث, باسم الإسلام الذي لا يمثله أولا وقبل كل شيء إلا القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه, ولا من خلفه, تنزيل من حكيم حميد.. وبهذا يكون الأستاذ الشيخ الإمام محمد عبده قد حرث في البحر عندما قال' الدليل الوحيد الذي يعتمد عليه الإسلام في دعوته هو القرآن الكريم وأما ما عداه مما ورد في الأخبار, سواء أصح سندها واشتهر, أم ضعف ووهي, فليست مما يوجب القطع عند المسلمين'.. وبهذا يذهب قبض الريح قول ابن رشد فيلسوف الفقهاء, وفقيه الفلاسفة, الذي ذهب منذ أكثر من ثمانية قرون إلي أنه' يجب علي النساء أن يقمن بخدمة المجتمع, والدولة قيام الرجال' كما ذهب إلي أن' الكثير من فقر عصره وشقائه, يرجع إلي أن الرجل يمسك المرأة لنفسه وكأنها حيوان أليف, لمجرد متاع فان, بدلا من أن يمكنها من المشاركة في إنتاج الثروة المادية والعقلية, وفي حفظها'.
وخوفا وتحسبا وخشية من تداعيات الإحباط علي قلمي وأنا واحدة عضمي طري ورأسي عمرها بالعمر ما أينعت وكان دعاء الوالدين ألا يحين حتي مماتها قطافها, ذهبت أستظل وأحتمي تحت جناح الشيخ الأستاذ العالم الشاعر الأديب الغزالي حرب الذي تفوق علي جميع العلماء الأزهريين من علماء الكليات الثلاث الشريعة وأصول الدين واللغة العربية.. الشيخ الذي قام بتبرئة الإسلام الخالص الأصيل من كل ما نسبه وينسبه إليه الرجعيون والمتزمتون من دعاة الإسلام الدخيل, وإن الإسلام الحقيقي منهم براء.. ذهبت ألوذ بكتابه الرائد النادر المحتوي والنسخ' استقلال المرأة في الإسلام' الذي استعرت نسخته الوحيدة الباقية من نجله رجل السياسة والصحافة الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية.. الكتاب الذي يسير في منهج بحثه علي هدي الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق, الشيخ' محمود شلتوت' في رسالته' القرآن والمرأة' عندما قال:' احترم القرآن رأي المرأة, واستمع إليه, وقرره مبدأ يسير عليه التشريع العام'.. والشيخ شلتوت يذكرنا هنا بالسيدة خولة بنت حكيم التي جادلت رسول الإسلام فيما يسمي' الظهار' الذي كان أسلوبا من أساليب تحريم المرأة علي الرجل في الجاهلية, فاستمع الله لرأي هذه المرأة الحرة الباسلة, التي أنزل فيها, وفي مجادلتها ومحاورتها للرسول, سورة' المجادلة', التي بدأت آياتها' قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلي الله والله يسمع تحاور كما إن الله سميع بصير'.. كتاب' استقلال المرأة في الإسلام' الذي قدم له الشيخ أحمد حسن الباقوري بقوله إنه أوفي وأجمع وأدق كتاب ظهر عن المرأة ليبين مدي استقلالها قبل الإسلام, وبعد الإسلام الخالص الأصيل في عصوره الماجدة المزدهرة.. و..لسخونة القضية المطروحة بعد22 يوما أمام القضاء حيث كان اعتراض بعض القضاة مع بزوغها بأن المرأة القاضية' ماتقدرشي' علي مرمطة الجلسات والسفر ما بين المراكز والمحافظات ومقار التفتيش والمبيت... وأبدا لن يأتي الرد' رفقا بالقوارير' فلم تزل التجربة الديمقراطية في مستهلها ولسوف تثبت بمشيئة الله عينة القاضيات اللاتي لم تتعد الثلاثين قاضية جدواها تحت مجهر الرصد والنقد والحقد في معامل الفرز والتقصي والتحليل أنهن من نسل قاضيات حكمن فعدلن في صدر الإسلام وأجاز لهن الأئمة بل بعض الصحابة تولي أمر القضاء.. و..لسخونة القضية المطروحة شرخت بين جواهر صفحات كتاب الشيخ الغزالي حرب أبحث عنها.. عن المسلمة القاضية.. ووجدتها.. عندما رجع عمر بن الخطاب عن رأيه إلي رأي المرأة علي مرأي ومسمع من الجميع عندما جادلته في المسجد الجامع بين الجنسين حول مهر النساء, فرد قائلا: أصابت امرأة وأخطأ عمر, وبلغ ثقته بهن توليته السيدة سمراء بنت نهيك منصب الحسبة في الأسواق, وقد أعطاها سوطا لتؤدب به المخالفين والمخالفات, وبعدها قام بتولية السيدة الشفاء بنت عبدالله منصب الحسبة علي سوق المدينة, والناظر في أعمال الحسبة, واختصاصاتها قديما, يري أنها تشبه في عصرنا الحديث أعمال وكلاء النيابة, وضباط المرور, ومهندسي المباني, ومفتشي التموين, ولم ينكر أحد من الصحابة علي عمر ثقته بالمرأة إلي هذا المدي, فكان ذلك منهم إجماعا سكوتيا علي الجواز, والإجماع السكوتي أن يذهب واحد من أهل الحل والعقد إلي حكم, ويعرف به أهل عصره, ولا ينكر عليه منكر..
وفي الفقه الإسلامي آراء مستنيرة تقدمية, أجازت للمرأة أن تكون قاضية, ومن هذه الآراء التي يقدمها الشيخ الغزالي حرب قول ابن قدامة:' كل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان هذا الشيء مما تدخله النيابة, صح أن يوكل فيه غيره, وأن يكون وكيلا فيه عن غيره رجلا كان أو امرأة' و..قول ابن جرير:' لا تشترط الذكورة في القضاء, لأن المرأة يجوز لها أن تكون مفتية, فيجوز لها أن تكون قاضية'.. و..قول أبي حنيفة:' يجوز للمرأة أن تكون قاضية, في غير الحدود, لأن شهادتها في غير الحدود جائزة' و..قول' حماد' وهو أستاذ أبي حنيفة:' يجوز لها أن تكون قاضية في الحدود', وذلك ما قاله من قبل' عطاء' التابعي الجليل, الذي شهد له ابن عباس بقوله: لا تسألوني مادام فيكم عطاء.. وقول ابن رشد في كتابه' بداية المجتهد ونهاية المقتصد':' وكذلك اختلفوا في اشتراط الذكورة, فقال الجمهور: هي شرط فقط في صحة الحكم, وقال أبوحنيفة:' يجوز أن تكون المرأة قاضية في الأموال', وقال الطبري:' يجوز أن تكون المرأة حاكما علي الإطلاق في كل شيء'.
ويتصدي' الشيخ حرب' بتاريخه الأزهري العريق وثقله العلمي والديني والدراسي والبحثي والاجتهادي للجنة الفتوي في السبعينيات مرددا كلمة سقراط الشهيرة:' يا رجال أثينا, إني أحبكم ولكني أحب الحق أكثر منكم'.. يرد الشيخ علي لجنة فتوي الأزهر التي أرادت أن تحرم المرأة من جميع الحقوق السياسية, وخصت الذكر, حق الحكم والسلطان, ولما لم تجد دليلا واحدا يؤيدها من القرآن الكريم طلعت علينا بالحديث الآتي:' عن أبي بكرة, لما بلغ النبي صلي الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا ابنة كسري عليهم قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة', ثم قالت اللجنة:' إن الحكم المستفاد من هذا الحديث وهو منع المرأة من الولايات العامة معلل بمعان واعتبارات لا يجهلها الواقفون علي الفروق الطبيعية بين نوعي الإنسان: الرجل والمرأة'.. وهنا يقف شيخنا الجليل ليسأل أربعة أسئلة يجيب عليها بنفسه في موضوعية وهدوء.. أولها: من هو راوي هذا الحديث؟ ويجيب الشيخ بأن من رواه هو' البخاري' عن' أبي بكرة' الذي أقام عليه عمر بن الخطاب حد القذف في الأعراض فجلده ثمانين جلدة كما صرح بذلك الإمام الغزالي في' المستصفي' بأنه كان رجلا مطعونا في نسبه, والقرآن الكريم يقول:' والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون'.. هذا وقد قال علماء الأحناف إن من أقيم عليه حد القذف لا تقبل شهادته وإن تاب, وإن قبل بعض أئمة الفقه قبول شهادة المحدود التائب, وفي أمر أبي بكرة أن عمر بن الخطاب قد طلب منه أن يتوب إلي الله بعد إقامته الحد عليه لكنه أبي أن يتوب, ومن هنا فإن ابن الخطاب وهو الخليفة الراشد الثاني لم يجز شهادة هذا الراوي مطلقا, بعد إصراره علي عدم التوبة, وأقر الصحابة عمر علي ذلك إقرارا جماعيا!!
ثانيا: يقول الشيخ الغزالي حرب إن هذا الحديث صحيح, لكنه باتفاق الجميع ليس حديثا متواترا, والحديث غير المتواتر لا يفيد الجزم, والقطع, بل يفيد الظن وكفي..
ثالثا: أما عن المرأة التي عناها الحديث فالحقائق التاريخية تقول: إن امرأة حكمت الفرس في أخريات حياة الرسول صلي الله عليه وسلم وهي الملكة( بوران بنت كسري أبرويز أخت شيرويه) شهد لها المؤرخون قديما وحديثا بأنها كانت من أصلح وأعدل الحاكمات...وما سمي الشيخ محمود شلتوت كتابه' القرآن والمرأة' بهذا الاسم إلا ليشعرنا بأن القرآن الكريم هو المنصف الأول للمرأة غير منازع ولا مدافع, وفي هذا يقول شلتوت ما نصه في ص8 و01:' لم تكن المرأة في مواهبها الطبيعية بأقل من أخيها الرجل' ويقول أيضا:' إن القرآن سجل للمرأة: قوة الفراسة, وحسن الحيلة, وبعد النظر في استجلاء الحقائق الغامضة, وتدبير الملك علي أساس الشوري', وفي الملوك لا الملكات قال القرآن الكريم بلسان ملكة سبأ في سورة النمل:' إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها, وجعلوا أعزة أهلها أذلة, وكذلك يفعلون'.. رابعا: يجيب صاحب' استقلال المرأة في الإسلام' عن الفروق التي اعتبرتها لجنة الفتوي فروقا طبيعية فاصلة بين الجنسين بتشبيه تلك الفروق فيما بين البيض والملونين التي لا عبرة بها في الميزان الإسلامي العادل بين الجميع علي اختلاف أجناسهم وألوانهم مصداقا لقوله تعالي وليس بعد كلام الله كلام ' يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي, وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا, إن أكرمكم عند الله أتقاكم, إن الله عليم خبير' ويأتي في قول الشعر العربي القديم, ما نجد فيه ويجد الشيخ الغزالي حرب, بردا وسلاما في قضية قاضيتنا الساخنة:
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال
ولو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء علي الرجال
ومن بالله أقوي بصيرة, وأرجح حجة, من الشيخ محمد الغزالي محمد حرب(9191 6891) الذي ألقي الضوء علي مسألة الاعوجاج في أمرنا نحن النساء لأننا' خلقن من ضلع أعوج إن حاولت أن تقيمه كسرته وأبدا لن يستقيم الظل والعود أعوج, فيقول الأستاذ إن هناك إصرارا عجيبا في بعض كتب التفاسير والتراجم والأدب العربي القديم في أسبقية خلق آدم لخلق حواء مستدلين لهذا القطع الحاسم بالآية الأولي من سورة النساء:' يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم' أي ذكورا وإناثا ' من نفس واحدة' أي لا من ضلع أعوج أو غير أعوج ' خلق منها زوجها' أي وخلق من جنس هذه النفس الواحدة زوجها, وشطرها الآخر, فهي زوجان وشطران من جنس واحد ' وبث منهما رجالا كثيرا ونساء' أي فرق ونشر من هذين الشطرين المتماثلين في الجنسية رجالا كثيرا ونساء كثيرات, وهذا هو التفسير البياني الواضح لهذه الآية من القرآن العربي المبين, فمن أين أتوا بالقطع بأن حواء خلقت من آدم, وبالذات من ضلعه الأعوج؟!.. ثم إن كلمة' زوج' في هذه الآية الكريمة معناها:' شطر', وليس معناها' زوجة' حتي يكون المقصود بها حواء, فحواء وآدم خلقا معا من نفس واحدة, وهذه النفس الواحدة زوجان وشطران: أحدهما آدم, والآخر حواء, ولا أسبقية في الخلق لأحدهما علي الآخر.. ثم إن القرآن الكريم لم ترد فيه مطلقا كلمة' ضلع' أو' أضلاع' أو' ضلوع' كما وردت في بعض كتب التفاسير والأحاديث التي يعتبر القرآن حجة عليها, ولا تعتبر هي حجة عليه بحال.. ورحم الله د. أحمد زكي الذي كان يدرس التاريخ الطبيعي لطلاب الأزهر, فقال لهم:' إن الضلوع في جانبي الإنسان متساوية'.. فعارضه أزهري منهم قائلا:' إن ضلوع الجانب الأيسر تنقص عن ضلوع الجانب الأيمن الضلع الذي خلقت منه حواء.. فرد عليه في هدوء وموضوعية بأنه سيتبين لهم في المستقبل عدم التعارض بين العلم الصحيح والإسلام الصحيح لا الدخيل'!
ويذهب' ابن حرب' في تبرئة ساحة المرأة من أمثلة الإسرائيليات المنسوبة إلي الإسلام ظلما عندما تتهم حواء بأنها هي التي أغرت آدم بالأكل من الشجرة التي حرم القرآن عليهما الاقتراب منها, قائلا لهما في سورة البقرة:' ولا تقربا هذه الشجرة, فتكونا من الظالمين' وهذا اتهام لا سند له مطلقا من القرآن الكريم, الذي لم ينسب الغواية والعصيان صراحة إلا إلي آدم قائلا في سورة طه:' وعصي آدم ربه فغوي', ولم ينسب الإغواء والتغرير إلا إلي الشيطان دون سواه, قائلا في سورة الأعراف:' فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما' وقائلا في سورة الأعراف كذلك' فوسوس إليه الشيطان' قال:' يا آدم هل أدلك علي شجرة الخلد وملك لا يبلي' وقائلا:' فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كان فيه',' فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما',' إن الشيطان لكما عدو مبين'.. فما ذنب حواء حتي تحمل دون سواها مسئولية الإغواء والتغرير؟!! لا تحملوها هذه المسئولية باسم القرآن الكريم, فالقرآن الكريم من ذلك براء.. براء!!
و..في كتاب' استقلال المرأة في الإسلام' قائمة طويلة للنساء اللاتي سبقن رجالهن إلي اعتناق الإسلام, والمغزي هنا أحقية المرأة باحترام الرجل ومعاملتها المعاملة الكريمة التي أمر بها القرآن, لا معاملة الاستعلاء التي يظن البعض أنها من أدلة الرجولة.. ومن بعد أن تنال بالكفاح والإصرار جانبا من حقوقها العادلة يأتي رجل من أقصي المدينة بدعوي نزعها من فوق منصة العدالة.... ومن أمثلة النساء الرائدات المؤمنات المسلمات السابقات للرجال:
- أم المؤمنين خديجة الزوجة الأولي للرسول التي قال عنها' آمنت بي إذ كذبني الآخرون'.
- أسماء بنت أبي بكر الصديق التي سبقت كل إخوتها الذكور في اعتناق الإسلام.
- فاطمة بنت الخطاب التي سبقت كل أهلها إلي الإسلام, بما فيهم عمر بن الخطاب نفسه, الذي أسلم عن طريقها.
- سوداء العامرية التي سبقت جميع قومها إلي الإسلام
- أم الفضل بنت الحارث التي سبقت كل أهلها إلي الإسلام بما فيهم زوجها العباس بن عبدالمطلب, عم الرسول, الذي صار من أكبر رواة الأحاديث ومفسري القرآن وإليه يعود اسم العباسيون.
- أسماء بنت سلامة التي سبقت زوجها وكل أهلها.
- أسماء بنت عميس وسبقت كل أهلها وكانت زوجة الشهيد جعفر بن أبي طالب.
- أم الخير والدة أبي بكر الصديق, سبقت إلي الإسلام أولادها, وزوجها الذي أسلم بعدها بخمسة عشر عاما.
- أم كلثوم بنت عقبة سبقت إلي الإسلام أهلها وأباها.
- أم حبيبة بنت أبي سفيان سبقت أباها وإخوتها جميعا إلي الإسلام
- أميمة الدوسية سبقت أهلها إلي الإسلام وفيهم ابنها الذي صار' أبوهريرة' أهم مصدر للأحاديث النبوية بعد ذلك.
- أم سليم بنت ملحان, سبقت إلي الإسلام أهلها وزوجها مالك الذي ظل علي كفره ومات وهو يحارب الرسول وترك لها طفلا, ربته ليكون' أنس بن مالك' الصحابي الجليل.
وقد اخترت هنا' دستة' فقط من النساء الشهيرات, أما غيرهن فكثيرات ليس أقلهن' زئيرة' التي كانت جارية عمر بن الخطاب, وعذبها عذابا جاهليا قبل إسلامه حتي فقدت بصرها, وثبتت علي إسلامها, قبل أن يسلم عمر, ويجيء نصر الله والفتح المبين.
وأنام والدعاء له علي لساني.. وأصحو لألوذ من الهجير حولي إلي نسيم جنات صفحاته.. الشيخ الغزالي حرب.. لنلتقي معا علي محبة قول جبران خليل جبران الذي صاغه في موضوعية وهدوء واتزان: من يشفق علي المرأة يمتهنها, ومن ينسب ويلات المجتمع إليها يظلمها, ومن يحسب صلاحها من صلاحه, وشرها من شره, كان مدعيا متبجحا, ولا ينصفها إلا من يرضي بها كما أرادها الله, لا كما يريدها هو..
نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.