كنا ندخل الفصل، فيسألنا أحد المفاعيص من زملائنا: انت صايم؟؟ فتؤكد له: الحمد لله، فيطلب منك طلباً غريباً: طب طلّع لسانك كده؟؟ وما إن تفعل حتى يجوب الفصل جرياً بشعور المنتصر وهو يؤكد أنك فاطر.. فاطر.. فاااااطر، وحين تسأله عن السبب وأنت تقسم بأغلظ الأيمان أنك صائم يقول لك معلومة شعبية غريبة مفادها أن من يخرج لسانه فى الصيام يصبح مفطراً!!!، وحين تسأله عن المصدر يؤكد لك أنه يعرفها من (زمان) وأن والده أخبره أن (الشعراوى) أفتى بها!!!!!! حسناً.. هذا مشهد يستحق العرض على طبيب نفسى محترم، ليس فقط ليفسره ويحلله، ولكن ليحكى لك عن (العقل الجمعى) للمصريين، وكيف أنه جاهز لتصديق خرافات غريبة الشأن لمجرد أن تكتمل خطته فى الإيقاع بخصمه، والواقع أن ابن (الذينه) الذى جعلك تفتح فمك وتخرج لسانك يريد فى قرارة نفسه ألا يجعلك (سوياً) و(صائماً) ولكن (مخطئاً) و(فاطراً)، وهى حالة غريبة تشبه النكتة الشهيرة التى كان الطلب الأخير لمن سيحكم عليه بالإعدام أن يرى والدته، والطلب الأخير لزميله: «ما يشوفش أمه يا باشا». تستطيع إذن أن ترى هذه التناقضات لكل من يريدك أن تخرج لسانك ليستمتع هو برؤيتك (فاطراً) فى كل مكان حولك خاصة فى هذه الأيام الغريبة، التى ما إن تراجع فيها نفسك حتى تكتشف أنك تتراجع عن مبادئك لأجل انتصار وجهة نظرك، حيث الغاية تبرر الوسيلة، والمجد للأستاذ ميكافيللى. تستطيع أن تكتشف بعد قليل من التفكير، أنه لا يجب أصلاً أن تخرج لسانك، ولا أن تفقد مبادئك، لترضى آخرين، فواقع الأمر أن العيل المؤذى الذى يطلب منك إخراج لسانك ليست لديه أى ميزة تجعله يقسم هؤلاء ل(صايمين) و(فاطرين)، ولن يغير كلامه عنك بأنك (فاطر) حقيقة أنك صائم، وأن من يحاسبك هو الله عز وجل، وليس (عيل أهبل) يصر على أن يجعلك تلعب نفس اللعبة، لتجد نفسك - إن صدقته ووافقت - تطلب من أقرب الناس إليك أن يخرج لسانه لكى تجعله يفطر هو الآخر. ما يحدث الآن تطبيق حرفى لتلك اللعبة ال(هبلة)، فإما أن تفعل مثل (الجميع) وإما أن تكون (فاطر).. إما أن تشتم وتشيطن وتسب (الآخر) الذى يستحق أحياناً ذلك لكنه لا يستحقه دائماً، وإما أن يخرج عليك قطاع طرق ليقولوا عنك إنك إخوانجى، وإن أقنعتك قد سقطت أيها المش عارف إيه. إما أن تردد (العَتَه) الذى يرددونه، وتقول إن رابعة العدوية مليئة بالجرب، وإنهم سفاحون، وسيقتلوننا جميعاً، وكل ما يهمهم هو الخلوة الشرعية التى يسعون لإقامتها فى شقق قريبة من مكان الاعتصام، أو تصبح خائناً وضد وطنك لو قلت إنه لا إقصاء، وإنه لا يجب أن يمارس معهم ما كنا نرفض منهم أن يمارسوه معنا. إما أن تتحول -كما يتحول هؤلاء- لمسخ يردد كلاماً وأكاذيب كانت تتردد ضد الناس فى التحرير أيام الثمانية عشر يوماً الأجمل فى تاريخنا الحديث، أو تصبح فى نظرهم ممسكاً بالعصا من المنتصف.. إخوانى.. سقط عنك القناع.. ضد الثورة!!!!!! العبد لله ضد الإخوان.. ضد مرسى وضد عودته.. مع محاكمتهم (بعدل) وليس ب(انتقام)، لكننى فى نفس الوقت غير مجبر على إخراج لسانى لكى أثبت لشخص لا قيمة له أننى كذلك.