مواقف حزب النور تخالط الأذهان دائماً بصور الإسكندرية حيث دعوته السلفية، فلا تأتيك تلك المواقف بجموح البحر وانفتاحه، بل ب«كُهْن» الحوارى الضيقة وأراضى ما بعد السكة الحديدية، حيث مجتمع آخر غير مدينة التنوع المنفتحة «الكوزموبوليتان»، فالتأرجح وارتداء لباس المعارضة وسيادة منطق «فيها لاخفيها» مع إصرار عقائدى دائم على رفض فكرة الثورة أيا كانت وأينما كانت وكيف كانت، ولكن تبقى المكاسب والتنصيص والتقسيم والمحاصصة لغة مصلحية يتقنها برهامى وصحبه على ساحل المتوسط، ولا مانع هنا من الكذب والمناورة والمداورة والخداع والاتصالات السرية مع السفيرة الأمريكانية بل والسفر إلى واشنطن حيث تُرسم السيناريوهات وتتحقق أحلام البديل للدعوة التى يديرها تسلط شيوخ اختلطت لديهم الدعوة بالسياسة فلم يصبحوا دعاة ولن يكونوا ساسة! برهامى تجاوز كافة أدبيات وأساسيات بناء دعوته السلفية من أجل شرعنة الوجود السياسى، فالتسهيل على الأتباع الذى يصل إلى حد التفريط لا يهم ما دامت الغاية تبرر الوسيلة والطريق سيمهد إلى كراسى السلطة، تنازلات لدخول العمل السياسى والانتخابات أو الاستفتاءات ولحس للفتاوى السابقة عن كفرية الديمقراطية وحرمانية التحزب بل إن الرجل شرع للمنتقبات كشف وجوههن فى الانتخابات من أجل المصلحة والحضور! برهامى والفرع السياسى لدعوته السلفية المسمى «النور» لم يشع نوراً منذ جاء إلى المشهد السياسى، بل أشاع حالة غرائبية فى الحياة السياسية، فهو «مع وضد» و«ضد ومع»، مرة مع الإخوان ثم انقلب عليهم ففضحوه بحكاية علم الدين، وفى أخرى ضدهم، وفى النهاية لم يشارك سواء معهم أو ضدهم فى ثورة يونيو، ثم طالب الجميع بحصته وعلى طريقة أفلام الهنيدى ومدبولى «معاهم ومش معاهم» يفاوض على خارطة الطريق ويعتصم أنصاره فى رابعة! برهامى يؤسس فى إسكندريته، وليس إسكندريتنا، تنظيماً غشه من الإخوان، فقد جعل الدعوة والحزب «هاى واى» (رايح جاى)، فالدعوة هى الحزب والحزب هو الدعوة، فقرار الحزب من هيئة علماء الدعوة فى إخراج إيرانى خومينى يؤسس لعلاقة مماثلة لما كان عليه حزب الإخوان وتنظيمهم الظلامى، وعلى الطريقة الإخوانية يحاول برهامى وشلته تكوين تنظيم يتحكم فى مفاصل الدعوة السلفية وفرعها السياسى، وقطع شوطاً كبيراً فى عملية التأسيس كما يذكر الزميل صلاح الدين حسن، فقد قسمها أفرعاً وشعباً لكى يستطيع السيطرة ودفع إليها المجموعة المسيطر عليها بالسمع والطاعة للشيوخ خاصة مرشد الدعوة السلفية، «برهامى»، ف«بكار» ومن لفّ لفّه هم أصابع المرشد السلفى وأقدامه وعضلاته! التنظيم السلفى الذى كره الثورة بل وحذر مما سماه الفتنة، سواء فى يناير أو يونيو، يحاول استعباط الجميع بمنطق المبادرات والتعطيلات والخزعبلات السياسية، والظهور بمظهر العاقل وسط حلبة المتطرفين، رغم أنه لا يحمل من التسامح سوى القليل الذى يستخدمه فى الطريق إلى مبتغاه، حيث يكون البديل الذى يزاحم على أصوات المنتمين لتيار الإسلام السياسى والمتعاطفين والمتحالفين مع تفعيل جيد حتى الآن لآلة الكذب التى تذكّرنا بكهنة المقطم! سلفيو السياسة يخاصمون فكرة الدولة الحديثة ويعتبرون مدنيتها مرحلة لبناء مجتمع آخر يغاير وجه مصر لأن السياسة لن تغير كثيراً فى وجه التزمت العكر، نتحدث عن دعوة وحزب بُنيا على أساس دينى ولن يقبلا تحمل كلفة السياسة بالتنازل عن الفكرة والحلم حتى لو قدما تنازلات فى المجال العام لأن الأيديولوجيا ستطغى وسنكون هنا من جديد أمام تنظيم محظور يريد ابتلاع المجتمع وفى قلبه الفاشية والإقصاء والرفض للآخر، وإذا نسى البعض فليعد إلى شرائط وفيديوهات الجمعية التأسيسية. «النور» ليس بديلاً، لم ولن تفلح محاولات الماشطة السياسية مع الوشوش المتطرفة!