استبشرتُ بحضور ممثل لحزب النور فى الائتلاف الوطنى الذى احتضن إعلان خريطة الطريق التى أعلنتها القوات المسلحة لنصرة الموجة الثانية من الثورة الشعبية العظيمة، فى منظور الحرص على التآلف الوطنى وعدم إقصاء التيارات السياسية الزاعمة الانتماء للمرجعية الإسلامية. ولكن حزب النور سرعان ما دمر أسس هذا الاستبشار، وانزعجتُ كثيراً لسلوك هذا الحزب المتمثل فى تعطيل جهود الرئيس المؤقت، التى تميزت بالمبادرة وسرعة الإنجاز المحمودين سبيلاً لعبور آمن وسريع بالوطن من هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة. ويعود الانزعاج إلى الاعتراض غير المبرر والمتكرر على قرارات الرئيس المؤقت. أولاً، على تكليف محمد البرادعى برئاسة الوزارة الانتقالية. وأنا لم أكن أبداً من مريدى البرادعى أو حوارييه، ولكن يقينى أن اختياره لقيادة وزارة هذه المرحلة الانتقالية كان صائباً، خاصة أنه هو مرشح أجيال الشبيبة التى صنعت معجزة «30 يونيو»، وأسقطت حكم اليمين المتأسلم بقيادة الإخوان المخادعين. وزاد الحزب السلفى صلفاً وامتناعاً برفض رئاسة البرادعى للوزارة، ولو كان من بينهم نائب له، بل زادوا الأمر على الشعب عسراً بأنهم لن يقبلوا به ولو أُعطوا رئاسة الجمهورية. ثم أمعنوا فى التعنت برفض تكليف زياد بهاء الدين برئاسة الوزارة وتعيين البرادعى نائباً للرئيس، وكأنهم يسعون بالتضافر مع إرهاب ميليشيات اليمين المتأسلم لتفجير المرحلة الانتقالية. وبعد ذلك انسحبوا من العملية السياسية بالكامل احتجاجاً على أحداث مقر نادى الحرس الجمهورى الذى شن عليه أنصار اليمين المتأسلم هجوماً مسلحاً لإطلاق سراح الرئيس المعزول محمد مرسى ظناً منهم، بسذاجة مفرطة، أنه محتجز داخله، على الرغم من التحذيرات الصارمة والمتكررة للقوات المسلحة وأجهزة الأمن بأنها لن تسمح بأى هجوم على مقراتها. وليس من ممكّنات المصالحة الوطنية اللازمة أن يُنصِّب فصيل معروف بالتشدد من نفسه طرفاً متعنتاً له حق الرفض من دون منطق على جميع أطراف الساحة السياسية. وليس من حق أى طرف منح هذا الحق لنفسه أو لآخرين؛ فالجميع منتدب من الشعب للمشاركة بتآلف وتعاون فى عملية سياسية تبتغى صالح الوطن، والعمل على نيل غايات الثورة الشعبية العظيمة، وليس لإحلال تسلط أشخاص بذقون أطول محل آخرين كانت ذقونهم أقصر، وليست المقارنة شكلية كما سنرى. فى ضوء هذا السلوك المتعنت المعسّر على الشعب والوطن، يظهر أن السلفيين قد تخلوا عن الإخوان ليس حباً فى التآلف الوطنى ولكن ليرثوا تسلطهم على الشعب والوطن. ولكن شعب مصر لم يشنّ الموجة الثانية من الثورة الشعبية العظيمة ليستبدل تسلط فصيل أعتى تشدداً باستبداد الإخوان المخادعين. تسلسل الأحداث هذا يذكّرنا بمساوئ انغماس السلفيين فى السياسة من خلال حزب دينى تسلل إلى الساحة السياسية من دون وجه حق وبالمخالفة لقانون الأحزاب، سامح الله من سهّل لهم ذلك! ففى الأمور العقيدية هم الأشد تشدداً فقهياً بين فصائل المدرسة الوهابية المُعسّرة المُكفّرة، ، وهذه هى دلالة الفارق الشكلى فى طول الذقون. صحيح أنهم بدوا أكثر استقامة فى بداية العملية السياسية بعد الثورة، ربما بسبب الغُشم السياسى، ولكنهم ليسوا أكثر استقامة فى السياسة الآن. وقد لعبوا أسوأ الأدوار فى دعم تسلط اليمين المتأسلم على العملية السياسية، خاصة وضع الدستور، وآثام مجلس الشورى المنحل. هم يجهدون الآن لتقاضى ثمن تخليهم عن (حتى لا نقول خيانتهم) حليفهم القديم، الإخوان، بعد سقوطهم، ويحاولون فرض حق الاعتراض على قرارات السلطة الانتقالية الجديدة، ولا يتورعون عن التهديد بالحشد والترويع؛ ففى لقاء تليفزيونى مع نائب رئيس الحزب بسام الزرقا فاه بالعبارات التالية على الهواء: «انتم ما شفتوش مليونيات لسه»، و«اللى يحط إيده فى «البوكس»، أى صندوق وصلات الكهرباء، هيتكهرب». ليست هذه العبارات إلا وعيداً متجدداً بمليونيات «كندهار» سيئة الصيت، وبصدمات كهربائية لترويع من لا يوافقهم!! ولا ننسى أن سلفيين من الجهادية المتشددة شاركوا فى أخسّ أفعال الإرهاب الانتقامى الأعمى من الشعب المصرى احتجاجاً على انتصار الموجة الثانية الكبرى من الثورة الشعبية العظيمة وأشدها بربرية مثل إلقاء المتظاهرين صغار السن إلى حتفهم من على أسطح المبانى فى الإسكندرية. وأى همجية فظة تلك التى تسكن قلوبهم التى تتملكها القسوة وكأنها قُدّت من الصخر الأسود؟ وأين هذه الأفعال البشعة من سماحة قويم الإسلام ودعوته إلى الرحمة والتراحم؟؟ يا أولى الأمر فى مصر الآن، لا تستجيروا من الإخوان المخادعين بنار السلفية الأعتى تشدداً ما ظلوا على تعنتهم!