لم يسأل مرسى نفسه مرة عن الفارق بين أيامه فى الاتحادية وبين لياليه فى سجن وادى النطرون.. هل ثمة فارق؟.. كله سجن!! هل أدرك الآن كيف ضاق القصر الواسع به ليصبح زنزانة؟ أو متراً داخل زنزانة.. وهل خاض كل هذا الصراع الدامى مع الشعب ليحكم مصر من داخل زنزانة؟ هل لمس فارقاً بين صخب القصور وضجيج السجون؟ وهل استطاع أن يحصى عدد نجوم الليل من بين قضبان نافذة القصر الحديدية أو بين حديدتين مغروستين فى نافذة سجن وادى النطرون؟ وأين ارتاحت خطاوى قدميه: فوق السجاد الفارسى الحريرى، أم فوق البلاط القديم بممرات الليمان؟ هل أدرك أخيراً وبعد فوات الأوان أنه عندما طمس أبواب قصر الاتحادية الأربعة بالخرسانة الإسمنتية وترك جزءاً من الباب الخامس يكفى لمرور جسده بالكاد.. هل أحس أنه سلّم نفسه بإرادته لمأمور السجن؟ فعلاً لقد نجح مرسى بجدارة فى تحويل قصر الملوك والرؤساء إلى ما يشبه زنزانة فى وادى النطرون يختبئ فيها من الناس.. فحين يبنى حول قصر الحكم أو محل الإقامة الجديد بالاتحادية جدراناً وأسواراً وأسلاكاً فهذا يعنى أن النزيل محمد مرسى قد نقلوه لدواعٍ أمنية من سجن إلى آخر وبنفس حُراسه أو قُل: وبنفس سجانينه.. بقسوة عيونهم ولون ملابسهم ورصاص بنادقهم وبذات الأيام الثقيلة والطويلة وبمهانة الاختباء ورجفة القلب وذل الكلمات.. هل ثمة فارق بين حال الإخوان فى السجن قبل 25 يناير وحال الإخوان فى عام من حكم مرسى؟ لا فرق.. مجرد جماعة محظورة أو مسجونة.. مدانة وخائفة. الرئيس الذى وضع نفسه بإرادته رهن الإقامة فى الاتحادية قد سجن نفسه راضياً تيمناً بعيشة الزنازين، صار لا يرى الناس/الشعب الذى يحكمه إلا فى ساعة التريض أو من خلال زيارة! (السجين عنده زيارة) فهل يقضى مرسى عقوبة بحكم مصر أم هو يكمل عقوبة سابقة هرب دون أن يقضى المدة القانونية لها؟ حتى أولئك الذين يأتون لنصرته فى جمعات قندهار المتعاقبة يأتونه مشحونين معاقبين فى أوتوبيسات كسيارات الترحيلات أو أشد عذاباً.. حتى الجوامع صارت أحياناً زنازين للإخوان.. زنازين داخل سجون محبوسين فيها من الناس ومختبئين من الصباح والحق والنور. يا الله نرجوك الرحمة والعتق والخلاص من هؤلاء الذين لا يجيدون العمل إلا سجانين أو مساجين أو فى محلات سوبر ماركت.. وقد صاروا يديرون البلد من داخل محل بقالة أو كانتين سجن.. والرجل الذى كان يتباهى بصلاته ويعايرنا بها مع أننا نصلى.. الرجل الذى ظل طوال عامه هذا يصلى الجمعة جماعة فى مساجد القاهرة المفتوحة صار الآن يدخل الجوامع/ الزنازين وحيداً بين حراسه أو بين سجانيه.. لا فرق.. فهل يليق أن يحكم المسجون شعباً من الأحرار؟ الطبيعى والمنطقى والقانونى أن يكون مرسى من مطاريد الجبل مباشرة بعد 28 يناير 2011 بعد اقتحام وادى النطرون وهروب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين منه.. ألم يكن يدرك أن الأقدار التى جعلت حصون سجن وادى النطرون المنيع تنهار فى ساعة لن تمنع أسوار الاتحادية من الانهيار أيضاً عليه وهو داخلها؟ أما نحن شعب مصر المتمرد الذى أعلن أنه لم يكن يقضى عقوبة معه كى يقبل به رئيساً.. لكنه شعب يعشق السماء والغناء والركض مسافات فى البهجة واللوحة والأمنيات.. نحن الذين أطلقنا سراح الشعوب من أغلال أوطانها وحررنا الإخوان من العتمة ثم أدركنا أنهم لا يعرفون إلا (حرية) الزنازين (وعدالة) السجان.. لهذا راحوا يقايضون سلاسلهم وأغلالهم ببراح الوطن؟ وهم الذين لا تدركهم الأوطان ولا يحفظون اسمها أو عهدها.. لهذا وجب عليهم العودة للزنازين.