أتيتَ من لؤلؤة البحر العجوز مرتدياً تاج السلطان، فى يدك الصولجان، والكل طوع أمرك ورهن إشارتك، حاملو المباخر ومطلقو البخور والراقصون والمهرجون وخدام السلطان وكذلك المجذوب والمجنون، فهل هذا ما تريد؟ أنت محمل بالوعود، مثقل بالعهود، لا تقوى على السير وحدك، فالحمل ثقيل. أنت فى حاجة لآلاف الأيدى الممتدة على طول الطريق. انظر إلىَّ حدق النظر فىَّ، فأنا الوجه الوحيد الذى يجب أن تراه. كل الوجوه خادعة، لن ترى فيها شيئاً، ولكن وجهى أنا كل شىء. ما زلت لا تصدق ولكنى صدقتك، كلماتك خطوط كتبت على وجهى الأحلام الوردية منقوشة فى عينى، فهل أنا أكذب، أم أنك لا ترى؟ لا تغضب منى. انظر إلىَّ فقط، وتذكر أن ذلك الوجه سيلازمك طوال حياتك، سيظل ملتصقاً بك لا تستطيع الهروب منه أبداً حتى لو أغمضت عينيك فوجهى سيرقد ويتدثر فيهما. وجهى هو الخيال والواقع معاً فى آن واحد. هذه لحظة سرمدية لم تعهدها من قبل إذن لا هروب. انظر إلىَّ حتى ترى كل شىء. ألم، عذاب، أنين، بكاء، صراخ، حيارى يبحثون عن أبسط حقوق الإنسان؛ مأكل ومسكن وملبس ولا يجدون، صار الحق حلماً. وجهى حزين متعب مكدود، ما أقسى أن يكون الحق حلماً. انظر جيداً، وجهى من عروق وشرايين هؤلاء التعساء نحن تعساء فقراء. ما هذا؟ قلق، ضباب، ولا يوجد فى نهاية النفق ضوء، وشباب كالزهور يذبلون ويتساقطون ويغرقون فى بحر الزمن، ووجهى قبيح كئيب تتساقط منه قطع اللحم، ومن مقلتى تتساقط الدموع حزناً على ضياع إنسان. ما أقسى أن يكون الشاب شيخاً بلا هوية أو عنوان. ما هذا؟ ضربات العصى على الطريق الأسفلتى، وخطوات بطيئة، وهمهمات من فم العجائز. وجهى ملىء بالتجاعيد وأخاديد الزمن، فالأيادى الضارعة المرتعشة والأجساد الضعيفة المتهالكة فى حاجة ليد قوية تسند وتدعم قبل فوات الأوان، وما أقسى أن يفوت الأوان. ووجهى ما زال ملتصقاً بك، يا إلهى، ما هذا؟ هل هذا حلم أم واقع؟ عيناى صارتا عينيك وعيناك صارتا عينى. الآن فقط يرى كل منا الآخر بوضوح تام. تأملنى أيها السلطان الجديد. الآن أنت تعرفنى جيداً فأنا الشعب. أنا العذاب والألم. أنا الشباب والزهور والعجائز والقرى والنجوع والكفور، وأنت، معذرة، لست السلطان. لا وألف لا. أنت الخادم الأمين لى، وأنا السيد المطاع، فلقد جئت لخدمتى أنا فقط. فهل أنت تحنث بالعهود الآن؟ وعدتنى بالعيش فى أمان. وعدتنى أنك لن تنام، وستكون ساهراً ودائماً حارساً لى، وتلبى كل طلباتى وأنا لا أطلب منك المستحيل. فقط مسكن وملبس ومأكل. الطريق صعب وعر لن تسير فيه وحدك، أنا معك دائماً، لكن يحدونى أمل جديد أنى سأصل لنهاية النفق وأجد شمس الغد أكثر إشراقاً ما دمت أنت صادقا معى لا تكذب، ولا تدعى البطولات الزائفة، ولا تخون ولا تغدر. وسامحنى، فإنى أحذرك: الخائن دائماً وراء القضبان، وتذكر أنى أنا السجان. أنا الشعب أنا الإنسان.