يفتح عينيه.. حركة لا إرادية اعتادها منذ قيام الثورة، يد تفرك عينه اليمنى، والأخرى تعرف طريقها تجاه الموبايل، 5 رسائل جديدة لم يقرأها، توافدت على هاتفه منذ الفجر، فتحها ليقرأها واحدة تلو الأخرى فإذا بالنهار «يبان من أوله»: «حبس الناشط فلان.. احتراق مصنع كذا.. قطع طريق كذا احتجاجا على.. هجوم على ضباط واستشهاد.. اشتباكات بالأيدى بين...»، يتنهد تنهيدة ألم وهو يعتدل لمغادرة فراشه ولسانه يتمتم بكلمات مصرية أصيلة: «يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.. اصطبحنا وصبح الملك لله.. هو فيه كده على الصبح.. اللهم ارفع غضبك ومقتك عنا.. أستغفر الله العظيم وحسبى الله ونعم الوكيل»، ينهى أدعيته ويقينه يحمل انطباعا يوميا يتوغل فى عقله وقلبه: «نسير من سيئ لأسوأ». لم ينطق يوما بالدعاء الأثير الذى اعتاده المصريون طوال السنة الماضية: «الله يخرب بيتك يا مرسى»، لا لشىء سوى خوفه من أن يصيبه الدعاء بسوء، فهو كمئات المصريين غيره يشارك «أس البلاء» -كما يحب أن يسميه- اسمه، فهو «محمد مرسى» والرئيس أيضاً «محمد مرسى» والدعاء يصيبه بسوء «صحيح الأصل فى الدعاء على النية الناس بتبقى قاصدة الريس.. لكن الواحد ما يضمنش ييجى الدعاء فى ساعة إجابة». لا يسير الرجل تجاه سريره إلا بعد نصف ساعة من تناول جرعة المهدئ، هكذا اعتاد أن يخلد للنوم طوال العام الماضى، عادته الطبية ليست حميدة، حذره الأطباء منها ومن خطورتها خصوصا على سنه التى قاربت 55 عاما، لكنه لا يملك بديلا، أعصابه لم تعد تحتمل ما يحدث فى البلاد، لذا قرر الهرب منها فى ساعات الليل، بعدما لاحقته كوابيس وأفكار مرعبة طوال ليله، مفادها «مصر بتضيع واحنا كمان». لم يخلص مرسى المواطن لنتيجته بعد 12 شهرا من حكم مرسى الرئيس، خلص إليها فى ال6 أشهر الأولى من حكم مرسى، لا يعتبر هذا فراسة أو قدرة على التحليل، بقدر ما يعتبره كارثة فى النظام الذى لم يمهل الناس فرصة للأمل به «أخدنا على مشمّنا صوب الكوارث.. مين بقى يثق فيه ولا يبقى لسه شايف أمل». لم يكن مرسى المواطن من المرفهين فى عهد مبارك، بل قاسى فى النظام السابق الأمرين، كان أحد الذين خرجوا على المعاش المبكر، له من الأبناء خمسة، 3 أولاد وبنتان، ورغم عدم ثقته فى الإخوان والرئيس مرسى من البداية فإنه آمل فى الخير ولو يأتيه قليل منهم، دون جدوى، فأصبح النوم هو الحل: «كنت بأنام أحيانا 24 ساعة متواصلة، دلوقتى بافضل نايم لحد ما أحس إن عندى استعداد أصحى». ما زال مرسى المواطن يبحث عن عمل فى الدولة التى يراها ضاعت: «مش لاقى شغل وما دام مفيش شغل للشباب يبقى مش هنلاقى شغل للكبار اللى زيى». تبدأ أيامه الطويلة فى البيت، مع الساعة الثامنة بإفطار خفيف يناسب المعدة المنهكة، ثم تبدأ فقرة مشاهدة البرامج التليفزيونية الإخبارية: «مبحبش الناس اللى بيتشنجوا فى تقديم الأخبار، بأتابع الناس العادية اللى بتتكلم طبيعى»، لكن يبدو أن ذلك الاختيار لا يقيه شر الصدمة التى لا يلبث أن يتعرض لها فإن فاتته على الموبايل لحقته فى التليفزيون: «لازم ألاقى حاجة تغم النفس ولا مصيبة ع الصبح». فقرة ما بعد التليفزيون تتضمن الكثير من الخطط، أحيانا يذهب الرجل إلى أصدقائه فى شركته القديمة وأحيانا يواصل جلوسه فى المنزل ولكن أمام الكمبيوتر هذه المرة حيث التواصل مع الأصدقاء عبر «فيس بوك»، وتبادل الآراء حول الواقع المزرى: «كمية إحباطات فى البيت، فى الشغل، فى الفلوس، نزلت محمد محمود، وابنى يحيى من أول الثورة ولحد دلوقتى هو فى تمرد بيجمع توقيعات». «إذا كنتم انتم يا شباب حاسين بإحباط، فاللى زيى حاسس بإحباط مضاعف» يتوجه الرجل بكلمته إلى أصدقاء الفيس بوك وأحيانا أصدقاء المقهى أو أصدقاء أبنائه الذين يأتون لزيارته: عشت أيام عبدالناصر والسادات وحسنى مبارك، وحين قامت الثورة مقدرتش أنزل، كنت أودع ابنى يحيى كل يوم الصبح على أساس إنى مش هاشوفه تانى، أمه كانت تسألنى إزاى تسيبه كده، فأقول لها: هو مش أحسن من العيال اللى بتموت دى، كان أملى إن احنا نبقى أحسن، نعيش حياة عشناها بالفعل قبل كده، أيام ما كنت باشوف مصر عروسة لابسة فستان أبيض بتتمشى على الكورنيش. عام كامل، 12 شهرا، لم يتحمل الرجل الخمسينى رؤية الأوضاع فى مصر بهذا السوء، لجأ لأطباء نفسيين، لم يكن له موقف معاد للرئيس مرسى، «معرفهوش.. لذلك قاطعت انتخابات الرئاسة والشعب والشورى، لم أشارك إلا فى الاستفتاء بتاع مارس وقلت لأ، وحين تابعت النتيجة قلت لأبنائى الذين انتخبوا حمدين: الانتخابات أول مسمار فى نعش الثورة، وبعد وصول مرسى وشفيق لمربع الإعادة كنت أسوق لمرسى على حساب شفيق باعتباره أفضل الوحشين.. وهو ما ندمت عليه بعدها». فى تاريخ محمد مرسى المواطن جانب مظلم، يتكتمه عن عمد، سنوات ظلام حسب وصفه لها، عاشها منتميا للجماعات الإسلامية سائرا خلف أفكارهم، مطلقا لحيته منغمسا فى مجتمعهم، لذا يعرف كثيرا منهم جيدا، يعرف كيف يفكرون، ويعرف أيضاً حجم كراهية السلفيين للإخوان، لأنهم، حسب وصفه: «الإخوان» تنظيم عالمى فكره غير فكر السلفيين خالص ما بيدوروش على الدين لكن على الرايجة واللى يكسب، وكلنا شُفنا الصورة الشهيرة للكتاتنى وهو بيتذلل لأحمد عز، حتى الاستجواب بتاع قطار الصعيد اللى هم فرحانين أوى بيه ده، هاجم الكل إلا حسنى مبارك، ومهدى عاكف قال مبارك رئيسنا ونتشرف بيه، هم مع الرايجة، ولما الناس دى تركب حكم مش هيسيبوه». ثوريته وابنه الذى كان وما زال معرضا للأخطار بسبب اشتراكه فى كل المظاهرات، لم تمنع الرجل من الاعتراف: «أيوه شفيق كان أرحم، صحيح تبع نظام مبارك لكنه أرحم، كان هيعمل 3 حاجات هيريح الناس جدا، وكل مؤسسات الدولة هتساعده وهيحاول يغير الصورة السلبية عنه.. الحمد لله أنا كنت سلبى فى الانتخابات، ساعات بتبقى السلبية أكتر شىء إيجابى فى العالم». لا يخلو يوم المواطن محمد مرسى من تعليقات على اسمه المشابه لرئيس الجمهورية، وهو ما يعده الرجل فرصة لشرح الحقيقة: «يعنى إيه مرسى مرشح ثورة زى ما الناس بتقول؟ يا عالم افتكروا محمد بديع قال إيه يوم 25 يناير، افتكروا إنه قال ملناش دعوة مش نازلين يبقى ثوريين إزاى؟ وبعدين مين محمد مرسى أصلا؟! خيرت الشاطر احنا عارفينه، وجاى بتوكيلات، إنما مرسى جاى بترشيحات مجلس الشعب وفى فرق بين واحد الناس موكلاه زى عمر سليمان والشاطر، وواحد أعضاء مجلس الشعب هم اللى رشحوه، مش إحنا خالص». «من أول ما مسك والناس مستاءة من اسمى»، يعترف محمد مرسى الذى تحول بين ليلة وضحاها إلى ترمومتر يقيس رد فعل الناس على اسم الرئيس: «الناس كان عندها أمل إن الإخوان يمكن يصلحوا، يمكن لو خدوا الفرصة يعملوا مشروع النهضة اللى بيقولوا عليه، يمكن يتقوا ربنا فينا، يمكن يمكن، لحد ما الإخوان اتفضحوا خالص، ولو شفيق كسب كانوا هيقولوا إحنا شهداء إحنا اللى عملنا وسوينا ويفضلوا يشتغلوا على الناس لكن دلوقتى مبقاش ينفع الناس كلها عرفتهم». الكاتبة أفكار الخرادلى، كانت واحدة ممن علقوا على اسم «محمد مرسى» حيث كتبت له على صفحته بموقع فيس بوك: «بس لو مكانش اسمك محمد مرسى»، فى بعض الأحيان يحاول أن يجد المواطن مرسى أى صفات إيجابية فى رئيس الجمهورية، لعل وعسى، لكنه يصطدم دوما بالاكتشاف الأثير: «مش قائد، مش كل أستاذ جامعة قائد، حضرنا محاضرات لأساتذة مايتحضرلهمش، بنمتحن فى مادتهم وخلاص، ومش كل عضو سابق فى مجلس الشعب قائد، ياما أعضاء مجلس شعب ملهمش فى أى حاجة، لكن عشان الإخوان كانوا على الجنب الشمال أيام فتحى سرور فكانوا بيتباروا بالموضوع ده، يا ريتهم رشحوا البلتاجى ولا الكتاتنى كانوا هيبقوا شخصيات قيادية، لكن هما رشحوا ده عشان ملهوش رأى ويعرفوا يسيطروا عليه». صدمة المواطن محمد مرسى فى الرئيس محمد مرسى لم تكن فيما جرى بأحوال البلاد والعباد فقط، ولكنها تعلقت أيضاً ببعض التفاصيل الشخصية والآمال العائلية التى تبخرت فى الهواء: «كنت حاطط أمل إن المعاش يزيد، زى ما قال، مازادش، ماشفتش حاجة، المعاشات زى ما هى، وحتى لو اتضاف الحافز اللى زاد 43 جنيه كلام أهبل، قالوا هيكون فى كام ألف مصنع، وكام ألف مشروع، ومشروع النهضة الشاطر سلمه لمرسى، وبعدين ولا حاجة». يرى مرسى أنه كان أمام الرئيس فرصة تاريخية فشل الرجل فى استغلالها: «إنت كنت رئيس والناس قبلت النتيجة وسكتوا فترة، وانتظروا، والدولة كلها فى إيدك، كنت تقدر تكسب ال 90 مليون لكن معرفتش يا مرسى، والناس بقت ضدك حتى اللى انتخبوك». لم يقرر مرسى المواطن إن كان سينزل يوم 30 يونيو أم لا، ورغم تأييده الرهيب للحملة واشتراك ابنه فى جمع توقيعاتها لم يوقع مرسى المواطن على تمرد، يؤمن أن كل من سينزل يوم 30 يونيو لديه حق: «أولاً حق الشهداء مجاش، ثانيا قتل الشباب وسجنهم واعتقالهم مستمر، ابنى كان هيموت فى الاتحادية بسبب الانقسام اللى عمله فى المصريين.. وبلاوى تانية كتير». فى لحظة صفاء يجلس محمد مرسى فى منزله وسط أبنائه، تأتى هاجر، الأبنة الصغرى ابنة ال11 سنة، لتتحدث معه: «بتروح المدرسة عشان الغياب، المذاكرة كلها فى البيت، محدش فى المدرسة أو الوزارة عنده فكرة عن التربية ولا التعليم، والدى ووالدتى عمرهم ما قالولى تعالى نفهمك حاجة، لو أنا مش فاهم حاجة يبقى المدرس حمار، مش هايسيبنى أطلع وأنا مش فاهم، ومش التعليم وبس، لأ الأمن كمان، بناتى لا يخرجن إلا صباحا للمدرسة وعدا ذلك البيت بيلمنا ويحمينا من انفلات أمن مرسى». لا يرى مرسى المواطن أى صعود فى أى مجالات، إلا الإحباط، الذى يزيد بمعدلات خرافية حسب تأكيده: «البلد داخلة على كارثة، بعيدا عن موضوع إثيوبيا وسد النهضة، كل يوم كارثة جديدة»، قالها الرجل فى نفسه، ثم حاول الخروج بالقراءة على سبيل المثال، يمسك برواية لعلها تفصله عن الواقع فإذا بها «باب الخروج» لعزالدين شكرى، ذهول شديد يعتريه: «إيه كمية الواقعية دى، ده السيناريو اللى بيحصل بالظبط.. استرها يا رب». يؤمن الرجل أن مصر لم تتطور منذ عهد عبدالناصر: «كل حاجة بحطة إيده، من سكة حديد لكبارى وشوارع لأتوبيس نهرى»، ويؤمن أيضاً أنها لم تتدهور فى عهد السادات ومبارك قدر ما تدهورت فى الشهور التى جلس فيها مرسى على مقعد الرئيس: «مبارك والسادات كانوا فاهمين، أفسدوا حاجات كتير لكنهم فاهمين، مرسى بقى مش فاهم ومشغل حواليه ناس مش فاهمة، كل همهم الست تلبس حجاب والإخوان يتمكنوا، ولو عليهم ممكن يبيعوا البلد، والدليل على ده بورسعيد وقناة السويس وسيناء وحلايب وشلاتين وماسبيرو وغيره كتير». يحن مرسى المواطن كثيرا إلى منطقة وسط البلد التى لم يعد يطيق المرور بها: «نفترض إننا فوضويون، طيب فين النظام؟ فين القرارات اللى بيقول وها أنا أفعل، عمل إيه عشان يرجع النظام والأمن للبلد، عمل إيه للاقتصاد بتاع البلد، ولا حاجة، كل كلامه فارغ، اللى بيعرف يعمله يروح يتصور فى غيط قمح، التهريج والهراء ليه حدود، لكن كده الموضوع أصبح فوق الاحتمال». ورقة وقلم جلس إليهما مرسى المواطن، ليسرد ولو مع نفسه كشف حساب للرجل الذى جمعه به الاسم الثنائى، سأل نفسه «هو محمد مرسى عمل لى إيه؟» وأخذ يفكر ويكتب: - «قال هيعدل الأمن والمرور والكهرباء والسولار والعيش، فى 100 يوم.. والنتيجة أحوال الملفات الخمسة تدهورت، لا بقى فيه سولار والعيش يترمى للفراخ أحسن ما ناكله، والمرور زفت والكهرباء مفيش والأمن أصبح مجرد حلم.. الحصول عليه يتطلب أولا التخلص من الكابوس.. كابوس مرسى وحكم الإخوان».