أدعو كل من «احتفلوا» بالخامس من يونيو وهم من رقصوا على وقع الطائرات المعادية المغيرة على الوطن، أن يتحمّلوا احتفاءنا واحتفالنا بالتاسع منه، حيث أحبط شعب مصر العظيم، ومعه الشعب العربى من المحيط إلى الخليج، أشرس وأحط مؤامرة على الحلم المصرى بالنهوض وتبوؤ المكانة اللائقة والجديرة بأم الدنيا. أقامت إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤها الزينة وتوهّموا أنهم بالقوة الغاشمة قد طووا صفحة من تاريخنا وفتحوا أخرى جديدة على هواهم وبحروف غير عربية. وفقما ظهرت على شاشات الحواسيب: واحد+واحد=اتنين!! هزيمة عسكرية ساحقة، تحتم رحيل القائد، والاستفراد بالبلد وإخضاعه، غير أن هذا الشعب العظيم قرر فى لحظة واحدة إصابتهم بذهول، قلب المعادلة رأسا على عقب بخروج جماهيره بالملايين، وأكرر بالملايين، فى دقائق معدودة، تعلن بصوت أصابت أصداؤه المدويّة الأعداء بالفزع، رفض الهزيمة التى خططوا لها، أى هزيمة الإرادة. فالهزيمة العسكرية، والتى ذاقتها معظم دول العالم، مقدور عليها، لكن ما أوقع الأعداء فى حيرة لم يتوقعوها، ليس رفض هزيمة عزيمة الشعب وإرادته فحسب، بل كانت الطامة الكبرى التى غرقوا فى أوحالها الإعلان عن مواصلة النضال لتحرير الأرض من ناحية واستكمال البناء من ناحية ثانية. وقعوا جميعهم فى الخارج والداخل، فى حيص بيص والجماهير تقذف فى آذانهم برعد كان آخر ما توقعوه بأن «مكتوب على قلوبنا عبدالناصر محبوبنا، مكتوب على سلاحنا عبدالناصر كفاحنا».. وتأكيدا بأنه لا بديل للقائد، والثقة فى أننا معه، سنحرر الأرض، رفضت الجماهير تكليف السيد زكريا محيى الدين بموقع الرئاسة بأن «ارفض ارفض يا زكريا عبدالناصر ميّة الميّة».. وللسادات الذى كان رئيسا لمجلس الأمة «أنور أنور يا سادات، إحنا اخترنا جمال بالذات».. وهكذا انتخب الشعب جمال عبدالناصر بالإجماع فبدأ السطر الأول فى سجلّ حرب الاستنزاف المجيدة، التى وصفتها إسرائيل بأنها أطول وأشرس وأوجع حرب خاضتها ضد العرب! ولا شك أن البعض الذين سجدوا شكرا لله على هزيمتنا، لم تكتمل فرحتهم، وكذلك جهابذة العدوان فى واشنطن، التى فتحت ترساناتها عن آخرها لصنيعتها إسرائيل، ناهيك عن المشاركة الفعلية بالمقاتلين من مختلف الدول! كان ذلك المساء -الذى غيّر استراتيجية أمريكا وإسرائيل، وبيّن فساد الاعتماد على الحواسيب، إذ أثبت يقينا أنه ليس بوسعها سبر ما فى القلوب والعقول- أول خطوة على طريق العبور، وأتاح لنا بالتالى الاحتفال بنصر أكتوبر.. لن أنسى ما حييت ذلك المساء من عام 1967.