أين اختفى الناس الطيبون؟ لماذا لم يعد هناك مكان لأصحاب النوايا الحسنة. هؤلاء الذين كانوا مثل الزهور الجميلة فى غابة الحياة. الناس أصحاب الوجوه السمحة والقلوب البيضاء. هؤلاء الذين كانوا يمشون بالخير بين الناس، كنا نجدهم دائماً «محضر خير» إذا تخاصمنا يسرعون من تلقاء أنفسهم للصلح بين المختلفين والمتشاجرين، يقولون كلمة طيبة فى حق هذا وكلمة حلوة فى حق ذاك، فإذا النفوس تصفى والأعصاب تهدأ، ويكون «الصلح خير» على أيديهم! أين ذلك الجار الصالح الطيب، الذى يحسب ألف حساب لراحة جاره، ويخاف عليه ويتمنى له الخير، ويكون أقرب من الأهل والمعارف إذا احتجنا إليه، أو إذا وقعنا فى مشكلة؟ أين رئيس العمل الذى يعرف الله ويعامل مرؤوسيه بضمير، ويراعى ربنا فى عمله، فيكون الأخ الأكبر لزملائه الصغار، والأب الروحى لكل العاملين لديه؟ وأين تبخر الرجل الطيب الذى إن كان زوجاً فهو نعم الزوج، يحنو على زوجته ويرعاها كأنها ابنته، ويبتسم دائماً فى وجهها، ولا يرفض لها طلباً ولا يشخط ولا يصرخ فى وجهها، وإن كان أباً فهو صديق لأولاده وحضن كبير دافىء لفلذات كبده؟ أين الصديق الطيب الذى يقف إلى جوار صديقه فى أوقات المحن والشدائد. ولا يكتفى فقط بالظهور فى الأفراح والمناسبات الحلوة، والذى يتمنى الخير لصاحبه كما يتمناه لنفسه؟ وأين الصديقة الطيبة التى لا تحرض صديقتها ضد زوجها وتشعل نار الغضب فى صدرها، وتجعلها تكفر بزوجها وحياتها ومسئولياتها، والتى تكون لصديقتها أقرب من الأخت والأم؟ ولماذا أصبحنا ننظر للناس الطيبين على أنهم ضعفاء أو قليلو الحيلة، أو كأنهم متخلفون عقلياً. فى عالم لم يعد فيه مكان إلا للشطار والفهلوية. والذين يحسبون كل شىء فى الحياة بميزان الفلوس والمادة ولتذهب القيم والأخلاق وبقية الناس إلى الجحيم؟!