تغيرت النظرة إلى مفهوم «التسامح»، منذ أن ارتبط بشعار «الحرية والمساواة والإخاء»، الذى رفعته الثورة الفرنسية، حيث تخلى عن الطابع الأبوى، وأصبح يقوم على «الحق» الذى لا تفريط فيه، ويرتبط بالمواطنة، التى تعنى عدم التمييز بين الناس، على خلفيات تتعلق بالدين والمذهب والعرق واللغة والوضع الطبقى، ولا يرتبط بالمزاح الشخصى ويجعل منه أساسا لإقرار التسامح وكفالته. وفى دورته الثامنة والعشرين التى استضافتها العاصمة الفرنسية باريس، فى نوفمبر من عام 1995، اعتمد المؤتمر العام لمنظمة اليونيسكو تعريفا شاملا للتسامح يرى فيه ما يلى: 1- التسامح هو الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثرى لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال، وحرية الفكر والضمير والمعتقد. وأنه الوئام فى سياق الاختلاف، وهو ليس واجبا أخلاقيا فحسب، إنما هو واجب سياسى وقانونى أيضاً. والتسامح هو الفضيلة التى تيسر قيام السلام، يسهم فى إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب. 2- لا يعنى التسامح المساواة أو التنازل أو التساهل، بل هو قبل كل شىء اتخاذ موقف إيجابى، فيه إقرار بحق الآخرين فى التمتع بحقوق الإنسان وحرياته المعترف بها عالميا. ولا يجوز بأى حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير القيام بهذه القيم الأساسية. والتسامح هو ممارسة يجب أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول. 3- إن التسامح مسئولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية، بما فى ذلك التعددية الثقافية، والديمقراطية وحكم القانون، وهو ينطوى على نبذ الدوجماتية والاستبدادية، ويثبت المعايير التى تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. 4- لا تتعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان، ولذلك فهى لا تعنى تقبل الظلم الاجتماعى أو تخلى الفرد عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل تعنى أن المرء حر فى التمسك بمعتقداته، وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم. والتسامح يعنى الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم فى مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق فى العيش بسلام، وفى أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهو يعنى أيضاً أن آراء الفرد لا ينبغى أن تفرض على الغير. وحتى لا يكون التسامح الذى ينشده الخيرون من الناس مجرد كلام معسول أو انقلاب مفروض على الاختلاف الواقعى للآراء والمعتقدات، يتعين إحداث طرف ثالث، أو كلام ثالث، يعمل على استقرار التسامح وتوازنه بين الأنانيات الفردية أو الجماعية. وهذا لن يتحقق إلا بعد تعاقد راسخ البنيان بين المجتمع والسلطة، وبين مفردات الجماعة الوطنية نفسها، تتم ترجمته فى الدستور والقوانين المكتوبة أو العرفية، وهو ما يبلغ رشده فى سياق إطار سياسى ديمقراطى سليم. وهناك عدة مفاهيم تربطها صلات مختلفة بمفهوم التسامح، وينظر إليها البعض باعتبارها مترادفات له، نظرا لأنها تتشابك معه، بما يؤدى إلى تداخل طرق فهم التسامح، إلى درجة أن الاختلاف حول هذا التسامح يمكن أن يفهم باعتباره صراعا بين هذه المفاهيم، والتى تشمل التساهل والتعايش والسلام الاجتماعى والمجاراة والاحترام والتقدير والحلم والاعتدال وقبول الآخر. لكن أياً من هذه المفاهيم على أهميتها لا تغنى عن التسامح، ولا تحل محله، بل تساعد على فهمه، وتشرح بعض جوانبه، لكنها تظل طيلة الوقت أقل وأضعف من أن تنسخه، أو تزيحه تماما.