أنهك د. محمد مرسى وجماعته مؤسسات الدولة الداخلية فى موضوعات داخلية، أقل ما توصف به أنها «تافهة»، أدت إلى ظهور مخاطر خارجية لم يتم الاستعداد لها ولا رسم سيناريوهات محددة لمواجهتها، فالمخابرات العامة تمت مهاجمتها بقصة تجنيدها ل30 ألف بلطجى، والجيش يواجه السب والقذف طوال الوقت من قيادات الجماعة وأذرعها المختلفة، أما «الأمن الوطنى» فأصبحت مهمته الأولى مطاردة الثوار وحماية مرسى، وبالتالى لم يكن مستغرباً أن تستيقظ مصر على كارثة قيام إثيوبيا بتحويل مجرى النيل لإقامة سد «النهضة». لا مجال للمقارنة أو إلقاء التهم على شماعة النظام السابق كالعادة، رغم اعتراف الجميع بأن هناك تراجعاً على مستوى العلاقات الأفريقية قد تم فى هذه الفترة، لكن المقارنة الواجبة تتم مع ما حدث بعد الثورة، حينما تكاتفت مصر كلها وتم تنظيم عدة جولات إلى دول حوض النيل، بمبادرة من النائب السابق مصطفى الجندى والتى ضمت جميع أطياف السياسيين، بمن فيهم الإخوان، وشمل الوفد حمدين صباحى، والسيد البدوى والمستشار هشام البسطويسى ود. محمد أبوالغار وعلاء عبدالمنعم وعبدالحكيم عبدالناصر، بالإضافة إلى ممثل الإخوان حسين إبراهيم، وبالتالى لم يكن غريباً أن يتم استقبال شعبى ورسمى للوفد، وأن يتعهد «زيناوى» رئيس وزراء إثيوبيا، بعدم تنفيذ مشروع سد النهضة إلا بعد تشكيل لجنة فنية من مصر والسودان وأفريقيا وطرف رابع محايد، تقر بأن السد لا يمثل ضرراً على مصر، كما تعهد بأن البرلمان الإثيوبى لن يقر إنشاء السد حتى تنتخب مصر رئيساً جديداً. كانت مصر وقتها قوية لا تشغلها الصراعات.. وكان العالم منبهرا بثورتها وكان وفد الدبلوماسية الشعبية لا يشغله سوى الحفاظ على الأمن القومى المصرى، وليس لديه أولويات أخرى، وكان الوفد متساوياً، وبالتالى تعاملت دول العالم مع مصر بمسئولية واحترام وتقدير، أما الآن فى عهد الإخوان فكل دول العالم تعرف أن د. محمد مرسى لا يعمل إلا على أخونة الدولة، ويخصص مع جماعته جزءا كبيرا من وقته وجهده لهذا المشروع الذى استلزم دخول معارك أدت إلى تفتيت مصر، مع الجيش والقضاء والأزهر والكنيسة ورجال الأعمال والإعلام والمخابرات، ولا أستبعد أن مرسى أثناء وجوده فى إثيوبيا منذ أيام كان يفكر كيف سيواجه المستشار أحمد الزند؟ وكيف سيلاعب الفريق أول عبدالفتاح السيسى والفريق صدقى صبحى؟ ومن سيطيح بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر؟ ولم يكن تفكيره بالطبع مركزاً فى مطب «سد النهضة»، الفرق بين مصر بعد الثورة.. ومصر بعد الإخوان.. كبير، وكل يوم نتأكد أن المسافة شاسعة بين الإخوان والثورة التى قامت من أجل إعلاء الكفاءة وعدم الإقصاء.. لكن النتيجة أن الفشل الإخوانى ينتشر فى ربوع الوطن وخارجه.. والمصريون يدفعون الثمن.