بمشرط جراح ماهر، توصل السير مجدى يعقوب جراح القلب العالمى إلى بيت الداء، وكشف عن بؤر الإصابة المزمنة التى تستوطن الجسد المصرى، الذى أعياه الفساد والإهمال على مدى سنوات طويلة. فى حوار خاص ل«الوطن» كتب يعقوب روشتة علاج القلب المصرى، ووضع خارطة طريق لرعاية صحية متكاملة تليق بالمواطن المصرى، من خلال الاهتمام بالبحث العلمى، وتشجيع الخبرات والكوادر العلمية والتخصصات النادرة التى تمثل ثروة حقيقية لا يستفيد منها المصريون. وقال أستاذ جراحة القلب بالمعهد القومى للقلب والرئة بجامعة إمبريال البريطانية، إن مركز أسوان لعلاج وأبحاث القلب يسعى لخدمة المواطن المصرى ويعالج جميع أنواع أمراض القلب، التى تعد السبب الأول للوفاة على مستوى العالم وتكلف الدول مبالغ باهظة. ■ بداية.. ما تقييمك لوضع البحث العلمى فى مصر بعد الثورة؟ - مصر فى بداية طريق الاهتمام بالبحث العلمى، وما زال أمامنا الكثير لننتج أبحاثاً علمية تليق بدولة فى حجم مصر، لأن البحث العلمى فى مصر ليس بالمستوى الذى يجعلنا نفخر به، فيجب أن يتلاءم مستوى العلم مع التطورات العالمية بما يساعد على الابتكار، بالإضافة إلى إنشاء هيئات حكومية من أجل تشجيع البحث العلمى؛ فالدول المتقدمة تشجع البحث العلمى وتخصص له ميزانيات عالية. كما أن للجمعيات الأهلية دوراً مهماً فى نهضة البحث العلمى والربط بين الجامعات والمؤسسات العلمية والشركات التى لديها الاستعداد للاستثمار فى البحث العلمى، ويجب أن يعى الجميع أن الاستثمار فى الشعوب من خلال تشجيع الأبحاث العلمية يأتى بعائده على المجتمع أكثر مائة ألف مرة من أى أنواع أخرى من الاستثمارات، والعلم هو الذى سينقذ مصر، وعلينا الارتقاء بالبحث العلمى، والاهتمام بتنمية الطاقة البشرية والخبرات الموجودة فى مصر، لأنها ثروة حقيقية تتمثل فى 90 مليون مصرى، كما أن الشعب المصرى يتسم بالذكاء. ■ ما أحدث ما توصلت إليه الأبحاث العلمية فى مركز أسوان لعلاج أمراض القلب؟ - مركز أسوان لعلاج وأبحاث أمراض القلب مؤسس لخدمة المواطن المصرى، ويعالج جميع أنواع أمراض القلب، التى تعد السبب الأول للوفاة على مستوى العالم، وتكلف الدول مبالغ باهظة. ويتعاون مركز أسوان حالياً مع صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية فى مشروع بحثى لتأسيس مركز متميز بتمويل 10 ملايين جنيه عن مرض «تضخم عضلة القلب الوراثى (HCM)»، الذى يؤدى إلى نسبة عالية من الوفيات فى جميع الأعمار وبخاصة الشباب، ويساهم البحث فى الكشف المبكر عن مرض تضخم عضلة القلب الوراثى فى الأشخاص المعرضين للإصابة، والتحكم المبكر فى المرض باستخدام أحدث المعدات التكنولوجية الطبية، وسيعتمد المشروع على علم الجينات للتعرف على الأسباب التى تؤدى إلى الإصابة بالمرض ودراستها بشكل علمى دقيق، بالتعاون مع باحثين فى مصر ودول العالم. ولا يقتصر مركز أسوان على علاج المرضى المصريين بالمجان، بل يعد مركزاً للأبحاث العلمية يهتم بما يسمى ب(Basic Science)، لدراسة علم الخلايا وكيفية أن تمتد فائدة دراسة «الجزيئات» العلمية إلى المجتمع وتعود بالفائدة على البحث العلمى أيضاً. وسيتوسع المركز فى أبحاثه العلمية خلال المرحلة المقبلة. وبداخل المركز نبدأ فى استخدام علم «الجينات» فى مصر، لعلاج أمراض القلب الوراثية، بعد أن تم استخدام هذا العلم فى بريطانيا، مع توفير الدعم المعنوى لتعميق الانتماء لدى المواطنين وتحفيزهم على مثل هذه المشروعات الطبية. كما يسعى مركز أسوان لزيادة ميزانية الأبحاث بنسبة 30%، حيث أنجز ما يقرب من 32 بحثاً علمياً هذا العام فى مختلف مجالات أمراض وجراحات القلب، ونشرت هذه الأبحاث فى المجلات العلمية المتخصصة عالمياً. ويسعى المركز حالياً لإنتاج أبحاث علمية تحدد أسباب إصابة المصريين بأمراض القلب وتفصيل علاجات مناسبة لها، مشيراً إلى أن الأبحاث العلمية الجديدة تثبت أن الاستعداد للإصابة بأمراض القلب يختلف من منطقة لأخرى. ■ ماذا عن مساهمة مركز أسوان فى الارتقاء بالمجتمع البحثى الطبى؟ - تهدف المؤسسة إلى تدريب جيل من الأطباء المصريين الشباب والممرضات والعلماء فى مجال جراحات القلب على أعلى المعايير الطبية الدولية، وتقدم العلوم الأساسية والبحوث التطبيقية بوصفها جزءاً لا يتجزأ من تشجيع البحوث الطبية الحيوية فى مصر. وتتمتع المؤسسة بنظام رقمى يتيح للأطباء والإداريين أدوات فعالة لاتخاذ القرارات، كما يتيح نظام الأرشفة الرقمى للأطباء إمكانية تشخيص الحالات والاطلاع على التحاليل الطبية للمرضى عن بعد، مع توافر نظم أمان كاملة تجنباً لمحاولات اختراقه. أمراض القلب والأوعية الدموية أصبحت السبب الأول للوفاة، وكثير منها يمكن علاجه والوقاية منه مبكراً، ويعتقد أن مصر وبعض دول المنطقة لديها نسبة عالية من الإصابة بمرض القلب، إلا أن نقص البيانات السريرية والوبائية يجعلنا غير واثقين فى إطلاق هذه المعلومة، ويجب أن يتعاون الجميع لمواجهة تزايد عدد الإصابة بمرض القلب فى مصر بممارسة الرياضة وتناول الأغذية الصحية، فعلينا جميعاً العمل على الوقاية من أمراض القلب والتكاتف لصالح صحة المواطنين. ■ هل تختلف خصائص أمراض القلب فى مصر عن الدول الأخرى؟ - مرضى القلب حول العالم فى أحيان كثيرة تتشابه أنواعهم، إلا أن مريض القلب المصرى له خصائصه، ولاحظنا مؤخراً من خلال أبحاثنا على المرضى المصريين فى مركز أسوان وصول نسبة المصابين بالحمى الروماتزمية بين مرضى القلب من الأطفال فى مصر إلى 35%، وهو رقم ضخم جداً وغير موجود على مستوى العالم، وتتصدر فيه مصر المرتبة الأولى، وهى مشكلة كبيرة تهدد قلوب أطفال مصر. ويرجع سبب تضخم هذا الرقم فى اعتقادى إلى البكتريا والجراثيم الموجودة فى المناطق الفقيرة ذات التغذية السيئة، التى تحفز هجوم جرثومة تدعى (streptococci) على الأنسجة، وتتسبب فى الإصابة بالالتهابات فى أنسجة القلب والمفاصل والجلد وأحياناً المخ. ■ فى رأيك كيف يستمتع المواطن المصرى بالرعاية الطبية اللائقة؟ - إن أردنا أن يتمتع المواطن المصرى برعاية طبية تليق بمكانة وحجم دولته، يجب أن نحقق معادلة تتمثل فى مشاركة الشعب والحكومة والأطباء فى توفير الرعاية الصحية، ولا يصح أن يطالب الشعب المصرى الحكومة بتوفير الرعاية الطبية دون أن يشارك فى ذلك، ولن تستطيع الحكومة الإنفاق على الرعاية الصحية للمواطنين إلا من خلال أموال المصريين، وحتى يمكن اكتمال منظومة الرعاية الصحية يجب على الأطباء استمرار إجراء الأبحاث الطبية الجديدة، وهى مسئولية الباحثين والأطباء وليست الحكومة، وأن يتعاون الأطباء مع بعضهم البعض. ■ تم اختيارك مؤخراً فى الولاياتالمتحدة للانضمام إلى قائمة أساطير الطب.. كيف استقبلت هذا التكريم؟ - همى الأول فى الحياة هو تخفيف الآلام عن المرضى، ولا أركز فى الجوائز، وكلما تحدث اكتشافات نشعر بأن هناك أشياء أكثر بكثير، لذلك أشعر بالتواضع والخجل من ذكر الإنجازات، وهذا شىء ليس سيئاً، ولكنه يجعل الإنسان يجتهد أكثر.. الجوائز لها فوائد؛ أولها أنها تجعل الناس تعرف أن مرض القلب مهم، كما أن لها تقديراً، خصوصاً من الزملاء فى أنحاء العالم، وهذا شىء جيد، وإنما من الصعب أن يركز الشخص فى الجوائز، وينسى لماذا نحن موجودون، الهدف هو أن نحقق شيئاً للمرضى، وللعلم، وليس الحصول على الجوائز. ■ كيف ترى مستقبل تنمية المشروعات العلمية فى سيناء فى ظل الأحداث الراهنة؟ - لا أريد الحديث عن السياسية؛ لأنى أركز فى عملى، لكن لا أحد يختلف على أن سيناء يجب أن تكون أولوية أولى فى مشروعاتنا القومية، ولن يتخلى عنها أى مصرى، وستظل فى القلب. ويتوقع الكثيرون مستقبلاً باهراً لتنمية سيناء والصعيد المصرى، بالتوازى مع المشروعات القومية العلمية، وأهتم حالياً ببناء مركز أسوان بأن يكون عالمياً، واهتمامنا بسيناء يجب أن يكون على نفس المستوى. ■ أنت صاحب الرقم الأعلى عالمياً فى زراعات وجراحات القلب، فما هى الحالة التى لا يمكن أن تنساها؟ - الإجابة عن هذا السؤال صعبة، لأننى قمت بعمل ما يقرب من 2500 حالة زراعة قلب و20 ألف جراحة، وكل المرضى مثل أولادى، ولكل منهم قصة إنسانية مؤثرة تكفى لعمل مؤلفات وكتب ضخمة. ■ هل يمكن أن ينافس مركز مجدى يعقوب المراكز العالمية؟ - نحن نعمل بثقافة التعاون وليس بثقافة المنافسة، لأن التعاون مهم للغاية للوصول إلى اكتشافات جديدة وحتى نعالج المرضى جيداً، فنحن لدينا عدوان فقط هما المرض والجهل، فلو تعاونا نستطيع أن نقهرهما معاً. ■ كيف ترى مستوى الخريجين فى الجامعات المصرية؟ - لا بد أن يتم تحسين التعليم، وأن يكون هناك تعليم جيد فى جميع المراحل، وجميعنا نعلم الحقيقة أن التعليم الآن ليس جيداً وليس على ما يرام، ورغم ذلك فهناك شباب قاموا بتعليم أنفسهم وتميزوا للغاية، فنحن نستطيع أن نجعلهم فى أعلى مستوى فى العالم، ونريد كل مصر كذلك، فنحن نكاد ننتقيهم من أماكن مختلفة. ■ كيف ترى المستوى العلمى للأطباء الشباب فى مصر؟ - هناك كفاءات كثيرة ولكن فردية وليست جماعية، وما أريد التأكيد عليه هو تطور البحث العلمى فى مجال الطب، فللأسف نحن نستورد البحث العلمى جاهزاً من الخارج ونطبقه كما هو، فى حين أنه يجب التطلع إلى المساهمة فى منظومة الاكتشافات والبحث العلمى فى الخارج، فمثلاً فى مركز أسوان للقلب نطبق آخر ما وصل إليه العلم فى علاج مرضى القلب، ولكن فى الوقت نفسه نخصص على الأقل 30% من الموارد للأبحاث العلمية، لأن البحث العلمى يطور تطبيق ما نقوم به فى مجال الصحة، كما أن لدينا أبحاثاً نقيم فيها أخطاءنا، وتعتمد على رصد الأخطاء التى وقعنا فيها وكيف نكتشف أشياء تساعدنا فى عدم الوقوع فى هذه الأخطاء مرة ثانية، حتى نمنح مرضانا صحة أكثر وخدمة طبية أفضل، وكيف نكتشف أساليب جديدة للعلاج فى المستقبل من أجل أبنائنا وأحفادنا، وحتى تكون مصر ناهضة فى مجال العلم.