فى مارس الماضى، هبطت فى مطار القاهرة الدولى، طائرة تابعة لشركة «مصر للطيران»، قادمة من لندن، تحرك رجل وقور، هبط درج السلم، وتوقف قليلاً على أسفلت الممر، ليملأ رئتيه، عن آخرهما بدفء أنفاس القاهرة.. لم يستغرق الطبيب العالمى إبراهيم سويدان (70 سنة) جراح القلب العالمى، الذى قضى عمره فى لندن، وقتاً فى المطار، فسرعان ما أنهى إجراءات الخروج وكان فى استقباله نجل شقيقه الذى اصطحبه بسيارته إلى فيلته بمنطقة الحزام الأخضر بأكتوبر، الفيلا تقع بالقرب من ميدان جهينة. كان الرجل الذى قضى عمره وحيداً بلا زوجة، وطبعاً بلا أبناء.. قضى عمره مرتحلاً وراء شهرته كواحد من أمهر جراحى القلب فى العالم، خطط لزيارة سريعة للقاهرة، لكنه فضل أن يقضى بها ما تبقى له من أجل.. لكن أجله جاء بأسرع مما تخيل.. ولو تخيل نهاية سريعة لما تخيلها بهذه الطريقة.. مغدوراً بنصل سكين مزق رقبته وصدره وبطنه فى عقر فيلته التى أودعها ما تبقى له من أيام بعد السبعين.. تحركت السيارة من المطار، بدت له القاهرة، كما لم يرها من قبل، مزدحمة، ومختنقة بناسها ودخانها وحركتها البطيئة.. تاه سويدان فى ذكرياته.. عن أيام خلت، صباه وشبابه.. هجرته وغيابه، وحدته فى قلب الأضواء بلا زوجة، وبلا ولد، وفكر.. هل نال حظه من الحياة؟، تحدث إليه نجل شقيقه عن الحالة التى تمر بها مصر من تدهور اقتصادى وانفلات أمنى وعن جماعة الإخوان المسلمين والدكتور مرسى رئيس الجمهورية. الطريق طويل، ساعة ونصف من المطار إلى الشيخ زايد، كوبرى أكتوبر مغلق: «يا عمو دى مظاهرات ومطالب ثوار لم تتحقق»، هكذا أجاب نجل شقيقه على سؤاله عن سبب إغلاق الكوبرى.. ثم علق على سمع دوى طلقات نارية «ودى خناقة عادية بتحصل كل يوم». وصل الدكتور سويدان إلى فيلته بمنطقة الحزام الأخضر بأكتوبر، ودعه نجل شقيقه، كان الوادع الأخير.. «سويدان» نادى على حارس الفيلا «يا محمد انت فين» ومحمد هو حارس الفيلا الذى يعمل لديه منذ 6 سنوات عندما اشترى فيلا فى أكتوبر لهدوء المنطقة، رغم أن لديه شقة تطل على النيل بمنطقة روض الفرج. تحدث الطبيب مع حارس فيلته «حد سأل عليّا» فرد عليه: «والله يا دكتور مفيش أى حد سأل بس الفيلا كانت مضلمة من غيرك».. «شكراً يا محمد حضر الغدا عشان أنا جعان». انتهى سويدان من تناول طعامه، صعد إلى الطابق الثانى بفيلته المكونة من طابقين كى يستريح من رحلة السفر، استيقظ من النوم فى تمام الساعة العاشرة صباحاً كعادته ويقضى يومه جالساً أمام جهاز اللاب توب وربما يخرج فى بعض الأيام، لكنه لا يتأخر عن العاشرة مساء فيذهب إلى مقابلة عدد من أصدقائه من الفنانين والأطباء المشهورين ثم يعود لمطالعة الصحف الأجنبية وآخر التطورات فى مجاله «طب القلب». كعادته استيقظ سويدان من نومه فى العاشرة من صباح يوم الأربعاء 7 مايو الجارى وجلس أمام جهاز الاب توب الخاص به وتناول الطعام مع حارس فيلته حتى صعد إلى غرفة نومه فى الساعة التاسعة مساء.. لكنه لم يستيقظ بعدها فقد نام إلى الأبد حيث لقى مصرعه على يد عامل كان يعمل لديه وترك العمل منذ 8 أشهر. المتهم الرئيسى فى الواقعة هو «نور - 27 سنة» عامل فى ورشة كاوتش فى منطقة إمبابة، عندما ضاقت به الدنيا وتعثر مادياً تذكر الطبيب سويدان، ذلك الرجل الغنى الذى يقيم بمفرده، عرض فكرة السرقة على صديقه «عيد - 20 سنة» فوافق على الفكرة، فتوجها يوم الواقعة مستقلين سيارة ميكروباص ونزلا منها فى ميدان جهينة ثم سارا على أقدامهما حتى منطقة الحزام الأخضر حيث فيلا القتيل، حدث ذلك فى الساعة التاسعة مساء يوم الأربعاء دخل نور وصديقه الفيلا حيث قام الاثنان بتسلق سور الفيلا ودخل نور من شباك المطبخ، ولكن صديقه لم يتمكن من الدخول فتوجه نور إلى باب المطبخ وفتح له الباب ودخل الاثنان وانتظرا الطبيب ساعة كاملة داخل الفيلا حتى صعد إلى غرفة نومه فى تمام الساعة العاشرة، وعقب ذلك دخلا عليه وقاما بشل حركته وتوثيقه بالحبال والتعدى عليه بالضرب المبرح وهشما رأسه بفازة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة بعد 14 دقيقة من تنفيذ المتهمين خطة القتل، وعقب تأكد المتهمين من قتل الضحية قاما بسرقة 150 جنيهاً من حافظته و2 رسيفر ولاب توب وتمكنا من الهرب بمنطقة إمبابة. فحصت المباحث 20 شخصاً من المشتبه فيهم، وتوصلت تحريات وتحقيقات اللواء محمود فاروق مدير المباحث الجنائية والعميدين مجدى عبدالعال رئيس مباحث القطاع وحسام فوزى مفتش المباحث والرائد محمد ربيع معاون المباحث، أن وراء ارتكاب الواقعة شاباً يدعى «نور» من محافظة سوهاج مقيم فى منطقة الوراق ويعمل فى ورشة كاوتش يمتلكها شقيقه بمنطقة إمبابة، وأضافت التحريات أن المتهم حضر إلى القاهرة منذ 15 عاماً وكان يعمل فى محطة بنزين بالقرب من فيلا القتيل وتعرف عليه وعمل لديه لمدة سنتين، وترك العمل منذ 8 أشهر وعاد إلى شقيقه للعمل فى ورشة الكاوتش، وأثناء ذلك مر بضائقة مالية فاختمرت فى ذهنه سرقة وقتل المجنى عليه فعرض الفكرة على صديقه الذى وافق على الفكرة. تم القبض عليهما وأخطر المستشار أحمد البحراوى المحامى العام الأول لنيابات جنوبالجيزة وباشر التحقيقات، وانتقل للمعاينة أسامة حنفى رئيس نيابة الحوادث وأحمد الحمزاوى مدير النيابة، وقررت النيابة حبس المتهمين 15 يوماً على ذمة التحقيقات تمهيداً لإحالتهما للمحاكمة خلال ساعات.
