قبل الحديث عن قضايا المسلمين فى جمهورية كازاخستان (كازاخ)، كان لا بد من التعريف بتلك الدولة وتصوير حياة المسلمين فيها، وقد ذكرنا شيئاً من ذلك. ونضيف أنه يقوم على تعليم المسلمين الكازاخ أمور دينهم أئمة المساجد ومعاونوهم الذين يتعلمون فى المدرسة الحنفية القديمة، أو فى جامعة نور مؤخراً، وبعضهم يرحل إلى الأزهر ليجمع بين تعلم الدين وتعلم اللغة العربية. ويختار هؤلاء الأئمة إماماً عاماً لهم، يكون من خريجى الأزهر غالباً، يطلقون عليه اسم المفتى، ويعتمده رئيس الدولة ممثلاً عن المسلمين فى المحافل الرسمية. ولا تقوم الدولة بصرف رواتب أئمة المساجد، وإنما يحصلون أرزاقهم من دعم عوام المسلمين ورجال أعمالهم الذين ينفقون بسخاء فى صندوق المسجد، خاصةً مع نشر ثقافة الصدقة التى تكفر الخطايا. وتتفاوت أرزاق الأئمة بتفاوت حصيلة صندوق كل مسجد، وأكثرهم يتمكنون من الزواج وامتلاك سكن جيد وسيارة حديثة من العام الأول فى عملهم. ويشتكى أكثر أئمة المساجد الكازاخ من ابتلاء مجتمعهم مؤخراً بمن يسمون أنفسهم «سلفيين»؛ لأنهم يرجمون عامة المسلمين بتهمة الابتداع فى أبسط الفروع، مثل المصافحة بالأيدى اليمنى والتأكيد عليها باليسرى، ومثل إلقاء الموعظة قبيل وقت الجمعة. ويبالغون فى تقبيح ما وصفوه بالبدعة، حتى إن أحدهم ليعمد إلى دخول المسجد ليشغل نفسه بالصلاة أو قراءة القرآن الكريم وسط الجالسين فى حلقات العلم، من أجل التعبير عن رفضه لما وصفه بالبدعة فيغيظ الواعظ، ويضايق العامة، ما تسبب فى زعزعة اللحمة بين المسلمين هناك. وقد أدى هذا إلى رد فعل متعصب مثله، فصدر قرار المفتى العام السابق بمنع الجهر بكلمة «آمين» عقب قراءة الإمام لسورة الفاتحة؛ باعتبار هذا الجهر مخالفاً لما جرى عليه العمل فى حياة المسلمين الكازاخ المتبعين للمذهب الحنفى، وأن بعض المسمين بالسلفيين يعمدون إلى العبث بهذا المذهب فيجهرون بالتأمين، وقد تسبب هذا القرار فى اعتبار قضية الجهر بالتأمين فى الصلاة من أكبر الكبائر عند الأكثرين من الكازاخ، ومن أوجب الواجبات عند السلفيين منهم. ويتميز المسلمون الكازاخ فى الجملة بالكرم، خاصة إذا كان الضيف عربياً، ويتسابقون فى حسن ضيافته؛ فمنهم من يقدم إليه الهدايا الرمزية لمجرد قبوله دخول بيته، ومنهم من يلقى عليه قصائد المدح بآلة العود الشعبية تعبيراً عن فرحه، ومنهم من يقف إجلالاً له معلناً امتنانه بحسب الاعتقاد الشعبى من أن الضيف يأتى ومعه عشر من البركة، فإذا انصرف أخذ معه واحدة وترك التسع الباقية عند المضيف. ويحب الكازاخ بلدهم ويفخرون بإنتاجها ويعظمونه، فمع أنهم لا يصنعون سوى الخبز، ولا ينتجون سوى الزراعة والثروة الحيوانية، ولا يستخرجون سوى البترول، ولا يمتلكون سوى الطبيعة الساحرة، فإن أحدهم يبادر كلما وجد خبزاً أن يقول لضيفه: إنه من القمح الكازاخى الذى تنتجه بلادنا دون كيماويات، وهذا يؤكد فى الإنتاج الزراعى والحيوانى. ويحرص على تقديم القمز «لبن الخيل» والشباط «لبن الإبل» ولحم الخيل -مع غلائه- لكون ذلك من إنتاج بلاده. وكلما أشرقت الشمس بين الحين والحين من الأمطار الثلجية شبه الدائمة، ويظهر لون الخضرة العجيب الذى يكسو الأودية والجبال، يقول الكازاخى: إن الطبيعة تضحك للإنسان فرحاً به. وقد أثمر هذا الحب الوطنى عن نشر ثقافة مبادئ النظافة وصداقة البيئة، فمع ضيق أكثر الطرق وانخفاض مستوى المعيشة فى الجملة، إلا أن أحداً لا يرى عقب سيجارة أو منديلاً ورقياً وما سواهما فى مكان عام أو خاص، ولا يسمع عن مدخن فى داخل بيته أو فى مكان مغلق. لقد صار ذلك سلوكاً تلقائياً للشعب الكازاخى فى الجملة. وللحديث بقية. مقالات متعلقة: كازاخستان والمسلمون فيها (1)