دُعيت إلى زيارة جمهورية كازاخستان التى تسمى بالاختصار دولة «كازاخ» لمدة أسبوعين من يوم الثالث والعشرين من أبريل الماضى؛ لإلقاء عدة محاضرات لطلبة وطالبات مرحلتى الماجستير والدكتوراه فى جامعة نور الإسلامية بمدينة ألماطى، التى كانت تسمى جامعة «نور - مبارك» قبل صدور حكم المحكمة الإدارية فى أبريل 2011م، بحذف اسم «مبارك» من المؤسسات والميادين بجمهورية مصر. وقبلت هذه الدعوة لأسباب كثيرة مجملة فى الحديث الذى أخرجه أحمد عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «سافروا تصحوا»، وأخرجه الطبرانى عن ابن عمر بلفظ: «سافروا تصحوا وتسلموا». وأخرجه عبدالرزاق موقوفاً عن عمر بن الخطاب قال: «سافروا تصحوا وترزقوا». ورجوت الله تعالى أن يكون سفرى خيراً لى ولمن ألتقيهم؛ فأتعلم منهم ما يزيدنى ويتعلمون منى ما ينفعهم. ولأن القارئ المصرى له حق علىّ وعلى كل صاحب قلم يعرف الجديد مما يفيد أن يذكره ولا يكتمه، فقد جعلت الحديث بعد انتهاء الزيارة عن تخصُّصنا الفقهى عند المسلمين هناك. والكلام يبدأ بالتصوير الإجمالى لهذه الدولة، عملاً بالقاعدة المنطقية التى تقول: «الحكم على الشىء فرع عن تصوُّره». تقع كازاخستان وسط غربى آسيا، وتنقسم إلى تسع عشرة محافظة، ومساحتها ثلاثة ملايين كيلومتر مربع إلا الربع، أى مثل مساحة مصر ثلاث مرات تقريباً. ويتحدث أهلها بلغتهم الخاصة «الكازاخية»، ويعرف أكثرهم اللغة الروسية بحكم الاحتلال الروسى الذى وقع عليهم مدة سبعين سنة. وعندما تفكك الاتحاد السوفيتى فى الخامس والعشرين من ديسمبر سنة 1991م، وأعلنت خمس عشرة دولة منه الاستقلال كان منها كازاخستان، التى لا يزال شعبها ذاكراً بالخير حالة الإعمار والبنية التحتية القوية للهندسة المدنية قبل الاستقلال. غير أن جانب الحريات كان مفقوداً حتى أتى الاستقلال بكثير منه. ومما يُذكر أنه لم يكن بكازاخستان سوى مسجد واحد أيام الاتحاد السوفيتى وبعد الاستقلال بلغ العدد أكثر من ألفى مسجد، وفى ألماطى وحدها ثلاثون مسجداً. كانت مدينة ألماطى التى تبعد عن مدينة القاهرة إلى جهة الشرق أكثر من أربعة آلاف كيلومتر هى العاصمة للجمهورية الكازاخية حتى أعلن عن نقلها إلى مدينة آستانا سنة 1997م. ويبلغ عدد سكان الكازاخ ثمانية عشر مليوناً. نسبة المسلمين منهم 60 أو 70 فى المائة، حسب اختلاف الروايات الشعبية؛ لأن الدولة لا تضع خانة للديانة فى البطاقات المدنية. كما تبلغ نسبة عدد الذكور واحداً إلى ثمانية من الإناث. وتمنع القوانين تعدّد الزوجات رسمياً مما أدى إلى انتشار ظاهرة الزواج العرفى. وتعتمد القوانين نظام الزواج المدنى الذى لا يمنع زواج المختلفين ديناً أو مذهباً. وللمسلمة أن تمتنع عن زواج غير المسلم، فهذا حقها الشخصى. ويقوم العرف الكازاخى على منع زواج بنات العمومة وإن نزلوا إلى الدرجة السابعة، وإن حدث كانت القطيعة، وربما وقعت الجرائم بسبب هذا الزواج. ويعم الأمان حياة الكازاخ فى الجملة، فتخرج المرأة فى أى ساعة من اليوم وحدها، وتشير إلى إحدى السيارات فى انتقالاتها وهى آمنة. ويدوم العمل الرسمى من الصباح حتى الخامسة عصراً، وتغلق المحال التجارية فى العاشرة مساءً، وتستمر المطاعم ومحال الغذاء والدواء إلى فترة متأخرة من الليل. والعطلة الأسبوعية يوما السبت والأحد. ولا يحصل المسلمون على عطلة رسمية فى ساعة الجمعة ليتمكنوا من أداء صلاتها، فيقتصر أداؤها على غير العاملين هذا اليوم أو على أصحاب القطاع الخاص. وقد توارث الكازاخ المسلمون فقه أبى حنيفة وتعصّبوا له حتى ظن بعض عوامهم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان حنفى المذهب. وللحديث بقية.