حينما يستحضر الذهن اسم "عبدالحميد جودة السحار"، فلا بد أن تلوح في الأفق مؤلفات دينية عطرة أو حكايات عن سير الأنبياء وقيمهم ومعاناتهم من أجل تبليغ رسالتهم، غير أن الشاشة الفضية كشفت وجها آخر لذلك المؤلف الموسوعي الذي تفتق عقله ليسلط الضوء على مشكلات اجتماعية تلمس أوجاع المصريين، أو قدح زناد فكره لتوثيق تراث غنائي أصيل. مسيرة "السحار" السينمائية بدأت مع فيلم "أم العروسة"، من بطولة عماد حمدي وتحية كاريوكا، والذي عالج فيه مشكلات الأسرة المصرية في غضون تزويج أبنائها، فالبداية تكون مع خلافات "المهر والشبكة" التي تسبق تكاليف تجهيز عش الزوجية في ظل مصاعب قلة الدخل، ناهيك عن مشكلات يحدثها "طيش الشباب" قبل تسليم أنفسهم للحياة الزوجية التي تبدأ معها المسؤولية. تفاعل الجمهور مع "أم العروسة" دفع "السحار"، الذي يوافق اليوم ذكرى رحيله، لاستكمال السباحة في تيار معاناة المصريين، ليأتي فيلم "الحفيد"، من بطولة عبدالمنعم مدبولي وكريمة مختار، محملا بمشكلات الأزواج في السنوات الأولى لحياتهم، فالابنة الكبرى تهرول إلى بيت والديها لترمي لهم بالمعاناة فور علمها بنبأ حملها لوليد في أحشائها، فتلحق بها الابنة الصغرى التي تنتقل إلى ذات البيت إثر خلاف زوجي جرى بعد علم الرجل بحمل زوجته دون رضاه، فيتعالى صوت الأب: "الواحد فاكر أن مشاكل البنات بتخلص بعد ما يتجوزوا.. أتاريها بتبتدي". "مراتي مدير عام"، كشف مشكلة أخرى عاشها البيت المصري في سبعينيات القرن الماضي، فالمرأة المصرية العاملة ربما يتيح لها القدر العمل مع زوجها في ذات الشركة، وربما ترتقي الزوجة في عملها لدرجة توليها منصب وظيفي يسبق زوجها في درجته، فإذا بالرجل الذي يتعالى صوته داخل بيته يتحول لمجرد موظف يمتثل لأوامر زوجته ويتلقى الجزاءات منها بمجرد أن تطأ قدماه أبواب الشركة. عبقرية الأديب عبدالحميد جودة السحار تجلت في ذلك العمل السينمائي الذي جسد حقبة من تاريخ بلاده يرويها "ألمظ وعبدو الحمولي"، الذين تحابا بفضل عشقهما للغناء، قبل أن يتدخل "أفاندينا"، العاشق للنساء والملذات، ويطمع في التقرب من "ألمظ" بعد أن أطربته عذوبة صوتها، وهو ما قابلته المطربة المصرية الأصيلة بالرفض والتمسك بزوجها رغم ضيق معيشته. يعود "السحار" لعشقه للاجتماعيات عبر شاشة السينما، فيكون بطل روايته "النصف الآخر" هو الأب الذي يعيش حياة الفراغ والملل بعد رحيل زوجته، فأولاده ينشغلون بدراستهم أو حياتهم الخاصة، فيضطر الأب للهروب من المنزل دون أن يعلم بلقاء ساق له القدر، مع سيدة تتشابه في ظروفها معه، ليقررا الزواج دون الرجوع إلى الأبناء، ما يولد الكثير من المشكلات، بين الأولاد الذين يقتنعون في النهاية بحق الأب في الهناء والسعادة مع "النصف الآخر".