كأنه عالم سحرى مأخوذ من أحد مشاهد روايات «ألف ليلة وليلة» مساحة من الأرض مفروشة ب«القعدات العربى» بشكل منظم ومنسق، حرصاً على راحة الزبائن، لا يدرى بعضهم وهو جالس أنه يستند إلى حوائط تعود بالزمن إلى القرن ال15م، عند مغيب الشمس يبدأون فى التوافد على هذا العالم الذى ينسون فيه همومهم ويحاولون استرجاع بعض أصالة الماضى، يتصاعد صوت محمد منير العذب وهو يغنى إحدى أغنياته، يختلط الصوت بنسائم الربيع التى تهب من وقت لآخر، مختلطة بروائح «الشيشة». لم يكن هذا المشهد سوى أحد مشاهد مقهى «زينب خاتون» الذى يقبع بمنطقة الأزهر، هو عبارة عن ساحة صغيرة تتوسط مجموعة من الآثار الإسلامية القديمة، تُشعر الزائر بأنه يقف على أعتاب صفحة من صفحات التاريخ، فعلى يمينه بيت الهراوى «العود سابقاً»، وبيت «الست وسيلة»، و«جامع العينى»، وعلى يساره بيت «زينب خاتون»، الذى سمى المقهى على اسمه، تقدم فيه المشروبات المصرية مثل السحلب والينسون والشاى الأسود فى أكواب زجاجية صغيرة وإبريق حديدى أزرق، إلى جانب نفحة من النعناع أو المريمية أو القرنفل. «منذ 30 عاماً ونحن نسكن هنا» يتحدث على أبوالعلا «39 عاماً» صاحب المقهى، عن بداية فكرة مقهى «زينب خاتون» الذى أنشئ منذ 8 سنوات، كما يقول، عندما كانت الحكومة تقوم ببعض التجديدات فى المنطقة فى بيت زينب خاتون الأثرى الذى يعود بالزمن إلى عام 1468 ميلادياً، ليحاول على وإخوته استغلال المساحة الموجودة بالمكان بعد تجديدها لإنشاء ذلك المقهى الذى يوُصف بأنه تراثى سياحى فى المقام الأول. بداية فكرة المقهى كانت من خلال تحويل «المصبغة» التى كان يملكها والد «على» لمدة 30 عاماً إلى مقهى تراثى سماه «الخاتون»، وحوّله إلى مكان لبيع الأنتيكات والتحف والمصنوعات اليدوية فضلاً عن تزويده ب«قعدات عربى» مميزة، ثم من خلاله قرر إنشاء المقهى بشكله الحالى. زائر «الخاتون» من الداخل يفاجأ بالطابع العربى المميز والأشعار التى زينت المكان، مثل بيت الشعر: «يظلمنى الزمان وأنت فيه.. وتأكلنى الذئاب وأنت ليث»، الذى رسم بحروف ذهبية على حوائطه، وصور «أم كلثوم» وتماثيلها التى ملأت المكان، يتحدث «على» بفخر عن «الخاتون» قائلاً إنه ليس مجرد مقهى سياحى، بل إنه سبيل رزق 40 أسرة تعمل فى هذا المكان. «على» الذى يمتلك طبيعة أولاد البلد وكان يعمل بالسياحة خلال فترة من فترات حياته يعتبر أن «زينب خاتون» ما زال المقهى السياحى الوحيد فى مصر المحافظ على شعبيته فى مواجهة ركود السياحة فى مصر، رافضاً أى حديث عن أنه يستغل مكاناً سياحياً لصالحه، متسائلاً باستنكار: «أنا كده بضر المكان ليه؟!، ده أنا المفروض آخد جائزة نوبل إنى بنشط السياحة»، ويؤكد «على» أنه يسعى لتطوير المقهى بشكل أفضل من ذلك، من خلال وجود «طفطف» ينقل الزائرين.