جاء التغيير الوزارى الأخير فى تسع حقائب غريباً مدهشاً وصفرياً فى نفس الوقت، فلقد بدا محيراً فى عشوائيته ومدهشاً فى قصوره وصفرياً فى جموده، والمتابع للوضع السياسى والشأن العام برمته لم يستطع أن يلمح أو يستوضح أى خط أو رابط لتلك الاختيارات المتناثرة من الشخصيات التى استُوزرت! فلم يأتِ الاستوزار الأخير ملبياً لطلبات المعارضة فى تشكيل حكومة إنقاذ وطنى من كفاءات تكنوقراط، أو محققاً لتغيير وزارى سياسى من شخصيات فاعلة فى العمل الحزبى والسياسى تمتلك القدرة على اتخاذ إجراءات حاسمة كما أن لها القابلية لتسويقها لجماهير الشعب، ولم يأتِ الاستوزار أيضاًً محققاً للمبادئ العقلية فى أن يكون الوزير شخصاً معروفاً للمجتمع العام ومهموماً بمشاكل المجتمع المحيط! أرى أن تلك المحاور الثلاثة المهمة تم تجاهلها وإغفالها تماماً رغم أهميتها ووجاهتها؛ فالمحور الأول المعنىّ بطلبات المعارضة فى حكومة إنقاذ من شخصيات تكنوقراط فنية ذات كفاءة، كان كفيلاً بتحقيق التوافق الوطنى، وإعادة دمج جميع القوى السياسية فى المعادلة السياسية، وإنهاء حالة الاستقطاب العنيف فى الشارع، وإعادة الثورة إلى كنف كل الفرقاء، ومن شأنه أيضاًً إشراك الجميع فى المسئولية الحرجة للوطن، فلا يتحمل مرسى وحده مسئولية الانهيار الحاد فى الاقتصاد والتردى العام فى الخدمات والأمن. ثم إن غياب المعيار الحقيقى الآن لتقييم الأوزان السياسية فى ظل عدم وجود برلمان منتخب، هو أيضاً محور دافع إلى تحقيق طلبات المعارضة والخروج من المأزق. ثم إن حيادية أجهزة الدولة الإدارية ووزاراتها المعنية بإجراء أول انتخابات برلمانية فى عهد مرسى، كانت منوطاً بها إزالة ظلال الشك والريبة فى تلك الانتخابات، خصوصاً فى ظل قانونى مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات، التى لم تشارك فى صياغته المعارضة، ما كان سيمهد لخوض عملية سياسية رصينة رشيدة تؤسس لتبادل سلطة ديمقراطى وحر. أما المحور الثانى المهمل فى الاختيار أيضاًً، الذى يعتمد ويعتقد فى اختيار شخصيات حزبية سياسية تحقق توافقاً وطنياً وتكون حكومة إنقاذ سياسية بامتياز، لم يوضع أيضاًً فى الاعتبار، وحكومة بهذا الشكل ستكون قادرة على اتخاذ قرارات سياسية حاسمة، وتستطيع تسويقها للجماهير وتعبئة الرأى العام لها، وكانت ستنهى حالة الترصد والاستقطاب أيضاًً، وستخرج الوزراء من دائرة السكرتارية العليا للرئيس، ونعود إلى الحقبة الليبرالية قبل ثورة 52 وحالة المسئول السياسى القوى القادر على قيادة سفينة الوطن بهامة وقامة مرفوعتين، فتكون مصنعاً أيضاًً لصقل خبرات سياسية تكون مؤهلة للحكم حتى لا ننظر حولنا فنجد وطناً مفرغاً من كل الكفاءات ومجرفاً من شبابه. والمحور الثالث المهمل أيضاًً، وهو اختيار شخصيات عامة مهتمة بالشأن العام ومعروفة لعوام المجتمع، وهو ما لم يؤخذ فى الاعتبار أيضاًً! فجاء الاستوزار الأخير بشخصيات مجهولة وقد تكون عليها ملاحظات خاصة أيضاًً! وهذا يصعب مهمتها ومهمة الجهاز الإدارى للدولة فى كل الأحوال. لقد كشفت التغييرات الوزارية المحدودة، التى لا تناسب طموحات المصريين، عن أشياء خطيرة، وإن كانت متوقعة، من حيث عدم الاعتماد على أجهزة الدولة الرقابية فى اختيار المرشحين للحقائب، وأيضاً محدودية دوائر الاختيار وفى مركزها أعضاء جماعة الإخوان، ومزيد من توغل أعضاء الجماعة فى الحكم والجهاز الإدارى للدولة، ما يهدم مبدأ البناء المستقر للوطن بعد ثورة انتفضت على الإقصاء والتهميش للجميع دونما أعضاء وحواريى الحزب الوطنى. ثم إن غياب الفلسفة الرابطة للاختيارات ومنهجية التضييق دون الانفتاح جديرة بالرفض أيضاًً، ثم إن التنوع المتناقض فى الاختيار يوصف بأنه «سمك.. لبن.. تمر هندى»! وهنا الواجب علينا كوطنيين فى المقام الأول أن نرفض تلك الطلاسم الوزارية، ونحذر من استمرار سيطرة فكرة التنظيم الواحد والحزب الواحد، تماماً كالحزب الوطنى المنحل، وأن نرفض أيضاًً الاختيارات الواقعة فى نطاق شخصيات تصلح لأن تكون سكرتارية عليا للرئيس دون اعتبار للكيان السياسى للمنصب.