على الرغم من التجربة المريرة التى تجرعتها القوات المسلحة أثناء إدارتها للبلاد منذ تنحى مبارك فى 11 فبراير 2011 وحتى نهاية يونيو 2012، ورغم تأكيد قياداتها التزام الحياد والبعد عن معترك السياسة والتفرغ للمهام الاحترافية والوطنية، أبقت بعض قيادات القوات المسلحة الباب مواربا لاستعداد وتحسب دائمين للتدخل السياسى أو النزول إلى الشارع، إذا ما اضطرتها الظروف إلى ذلك، حماية للبلاد والعباد وليس حبا فى فرض الهيمنة أو توسلا للسلطة. وخلال لقاء جمعهما مؤخرا، ناقش الرئيس مرسى والفريق أول عبدالفتاح السيسى سبل تفعيل الضبطية القضائية للقوات المسلحة، وفرص تعاون الشرطة العسكرية مع نظيرتها المدنية للحد من انتشار السلاح واستعادة الأمن، وأبدى السيسى تحفظه على نزول قوات تابعة للجيش حالياً إلى الشارع، كما أكد أن الجيش بعيد تماما عن السياسة. وفى محاضرة ألقاها يوم العاشر من الشهر الجارى بعنوان «مصر المكان والمكانة»، بإحدى الكليات العسكرية بحضور الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، والفريق صدقى صبحى رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وعدد من رجال الجيش، أعطى العقيد أركان حرب أسامة الجمال إشارات واضحة بعدم تعجل الجيش فى النزول، إذ أنحى باللائمة على الشعب فى تدهور أوضاع البلاد. واستنكر الجمال الدعوات التى تطالب الجيش بالانقلاب على الرئيس، لافتا إلى أن الفارق شاسع بين الوضع الراهن وقيام عبدالناصر بانقلاب ضد المستعمر الأجنبى بدعم شعبى كامل قبل ما يربو على ستة عقود. ورغم إلمام القوات المسلحة بمؤامرات تحاك من أجل استفزازها والنيل من وحدتها واستدراجها للمعترك السياسى، اكتفت قياداتها بمطالبة الرئيس بالتصدى لتلك المؤامرات، كما قدمت للرئيس تقارير تثبت تسلح جماعات إسلامية وجهادية لإنشاء ميليشيات مسلحة لن تتورع عن تحدى الجيش، وطالبوه برد حاسم فى هذا الصدد مؤكدين أنهم سيضربون بيد من حديد كل من يهدد الأمن القومى. وأبدى المجلس غضبه من تسريب متعمد لتقرير زعم تورط الجيش فى إخفاء متظاهرين أثناء الثورة إلى صحيفة «الجارديان» البريطانية، وتوعد القادة باتخاذ إجراءات حاسمة ورد فعل قاس، إذا لم تحقق الرئاسة فورا فى الواقعة، وبدوره، تعهد الرئيس مرسى بإجراء تحقيق ومحاسبة المسئول. وفى رد حذر على بعض التصريحات والمواقف المثيرة للجدل من قبل الرئيس مرسى، حذر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسى الرئيس مرسى خلال الاجتماع الذى عقد بينهما فى الحادى عشر من الشهر الجارى، من التفكير فى فرض الأحكام العرفية، وحينما ألمح الرئيس إلى أن تردى أوضاع البلاد قد يدفعه لاتخاذ قرارات استثنائية لحفظ الأمن، رد القادة بأن القوات المسلحة قادرة على ذلك دون إجراءات استثنائية. وطالبوا الرئيس بضرورة الحوار مع كافة القوى والطوائف، والاستجابة للشارع بغية إنهاء الاحتقان. وحذرت قيادات الجيش رئيس البلاد من التفريط فى ثروات البلاد وأصولها وأراضيها بالبيع أو الإيجار أو حق الانتفاع، كقناة السويس أو سيناء أو مثلث حلايب وشلاتين. وطالبه بسن قانون ملزم فى هذا الخصوص، وأن يمنع أى تدخل فى شئون القوات المسلحة، ويقصر تعامل الجيش مع الرئيس بصفته فقط. وعلاوة على عدم نية الرئيس مرسى استدعاء الجيش للنزول، لا يبدو التدخل واردا فى أولويات الجيش المصرى، الذى يعى أن أى انقلاب لن يكون مرحبا به من لدن الولاياتالمتحدة أو المجتمع الدولى. ويصعب الزعم بأن التأزم بين الرئاسة والجيش قد بلغ مبلغا يحض الجيش على التدخل، فحين سرت شائعة إقالة الفريق عبدالفتاح السيسى، صدر بيان فورى للرئاسة بالنفى والتأكيد على التفاهم بينها وبين قيادة القوات المسلحة، وما برح الرئيس مرسى يطمئن وزير دفاعه وقيادات الجيش بشأن عدم وجود نوايا للتدخل فى شئون الجيش أو الإساءة إليه بأى صورة. وبناء عليه، يمكن القول إن الجيش لا ينوى التدخل المباشر فى الشأن العام وفقا لأى من أنماط التدخل التقليدية المتعارف عليها، لأن الدوافع والمبررات المطلوبة لكافة مظاهر التدخل الأخرى لا تبدو متوافرة بالقدر الكافى. غير أنه قد يكتفى بممارسة دور الضاغط على الفاعلين السياسيين الأساسيين فى هذه المرحلة كالرئيس مرسى وجبهة الإنقاذ من دون تورط مباشر وعميق فى المستنقع السياسى. أما إذا ما اضطرته الظروف الأمنية للتدخل، فقد ينزل جزئيا ومرحليا عبر الدفع بقوات من الشرطة العسكرية لإجهاض أى مؤامرات ضد الدولة أو قواتها المسلحة والاضطلاع بمهام أمنية بوليسية مؤقتة. وأحسب أن قوى المعارضة السياسية بحاجة إلى مراجعة حساباتها فيما يخص التعاطى مع الرئيس مرسى، ولعل يأسها من إمكانية استدراج الجيش للتدخل سياسيا بغرض إسقاط الرئيس المنتخب أو حمله على تقديم تنازلات سياسية مُرضية لمعارضيه من قبيل إشراكهم معه فى إدارة البلاد، قد يضطرها لتبنى آليات وسبل سياسية لبلوغ مقاصدها، إما عبر القبول بالحوار والتفاوض مع الرئيس وجماعته، أو بشحذ هممها تأهبا لخوض معارك سياسية وانتخابية ضارية.