على مدى ثلاثة أيام من الخميس 11/4 إلى الأحد 14/4 حضرت (بصفتى رئيساً لحزب الجبهة الديمقراطية) أكثر من اجتماع «ليبرالى»، أولها ندوة أو ورشة عمل موضوعها «بناء التحالفات السياسية» شارك فيها أبرز الأحزاب السياسية الليبرالية العربية (بحضور ضيفين من هولندا والدنمارك)، والاجتماع الثانى هو الاجتماع رقم (190) للجنة التنفيذية لليبرالية الدولية (وهى المنظمة الدولية الرئيسية التى تجمع كافة الأحزاب والمنظمات الليبرالية فى العالم)، والاجتماع الثالث كان للجمعية العمومية ل«التحالف العربى من أجل الحرية والديمقراطية» فضلا عن اجتماع رابع ل«اتحاد الشباب الليبرالى العربى». وفى حين تمت هذه الاجتماعات كلها فى بيروت فإن اجتماع اللجنة التنفيذية لليبرالية الدولية تم بدعوة من «تيار المستقبل» فى لبنان، أما اجتماعات الأحزاب الليبرالية العربية، والتحالف من أجل الحرية والديمقراطية، وكذا اتحاد الشباب فقد تمت بتنظيم وبرعاية مؤسسة «فريدريش ناومان» الألمانية، التابعة للحزب الليبرالى الألمانى. إن جوهر هذه اللقاءات أو التجمعات هو التعاون وتبادل الأفكار والخبرات بين أبناء التيار السياسى - الفكرى الواحد، أى التيار الليبرالى، وهو تقليد حرصت عليه كذلك كافة الاتجاهات السياسية الرئيسية الأخرى فى أوروبا ونقلته إلى نظرائها فى أنحاء العالم، فالأحزاب الشيوعية والاشتراكية والديمقراطية المسيحية.. إلخ، تحرص على تعاونها المشترك سواء على أساس قارى، أو إقليمى، أو عالمى. ولا شك أن الأحزاب الشيوعية -فى مراحلها الأولى، وفى عنفوان ازدهارها منذ عشرينات القرن الماضى- وضعت تقاليد مهمة للتعاون «الأممى» أو الدولى بينها فيما كان يعرف «بالكومنترن» والذى كان فى نفس الوقت -فى الواقع- أداة لسيطرة القوة الشيوعية العظمى فى ذلك الحين، أى الاتحاد السوفيتى. لقد انهارت الشيوعية، وتلاشى «الكومنترن»، ولكن فكرة التعاون والتقارب بين الأحزاب والقوى المنتمية لنفس التيار السياسى استمرت وازدهرت، وفى مقدمتها بالطبع القوى الليبرالية. على المستوى الدولى فإن «الليبرالية الدولية» هى التنظيم الدولى الواسع الذى يضم فى عضويته كافة الأحزاب الليبرالية فى العالم ويقع مقره الرئيسى فى لندن، وبدأت مؤتمراتها الدولية الشاملة منذ عام 1947. وعندما أنشأنا حزب «الجبهة الديمقراطية» عام 2007 كحزب ليبرالى مصرى صممنا منذ اللحظة الأولى لقيامنا على الحصول على عضوية الليبرالية الدولية، وكانت دعوة حزب الجبهة ل«الليبرالية الدولية» لعقد مؤتمرها الدولى العام رقم (56) فى القاهرة بمثابة مغامرة محسوبة من حزب يقل عمره عن ثلاثة أعوام، وربما لهذا السبب تحديدا، ورغبة من المنظمة الدولية فى تشجيع ميلاد حزب مصرى ليبرالى فى ظل نظام سلطوى، وافقت المنظمة على عقد مؤتمرها فى القاهرة فى فندق سميراميس إنتركونتننتال بقلب العاصمة بين 19 أكتوبر و29 نوفمبر 2009، بحضور ممثلى 106 أحزاب ليبرالية منها 29 حزبا فى الحكم كان أبرزها الحزب الديمقراطى الحر فى ألمانيا، والحزب الديمقراطى السنغالى، والأحزاب الليبرالية فى الدنمارك، وبلجيكا، وبلغاريا، وباراجواى.. إلخ. وبعقد ذلك المؤتمر كانت مصر هى الدولة العربية الثانية التى تستضيف مؤتمر الليبرالية الدولية (عام 2009) بعد مراكش التى عقد فيها مؤتمر عام 2006. لقد شهدت بيروت فى الأسبوع الماضى عقد اجتماع اللجنة التنفيذية لليبرالية الدولية، الذى انتهزت مؤسسة «فريدريش ناومان» الألمانية فرصة عقده لدعوة الليبراليين العرب إلى ندوة نظمتها بعنوان: «بناء التحالفات السياسية» شارك فيها من مصر: أحزاب غد الثورة، والجبهة الديمقراطية، والمصريين الأحرار، ومصر الحرية، ومن المغرب: الحركة الشعبية، والاتحاد الدستورى، والتجمع الوطنى للأحرار، ومن الجزائر: التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ومن تونس: الحزب الجمهورى، ومن ليبيا: الوفاق الوطنى، ومن لبنان: تيار المستقبل، وحزب الوطنيين الأحرار، إلى جانب عدد من الحركات السياسية فى فلسطين والأردن والكويت وعمان والسعودية. وفى واقع الأمر، فإن ورشة العمل أو الندوة هذه مثلت نموذجا للكيفية التى يمكن من خلالها صقل وتطوير أداء الأحزاب الليبرالية العربية، خاصة فيما يتعلق بواحدة من أهم قضايا العمل السياسى عموما، أى قضية بناء التحالفات السياسية، من أكثر من زاوية، مثل: ما الصيغ والأشكال المختلفة للتحالف بين الأحزاب السياسية الليبرالية؟ وكيف يمكن الاستفادة من الخبرات العملية المتباينة فى ذلك المجال؟ وكيف يؤثر تحالف الأحزاب بالفائدة أو بالضرر على الأحزاب المشاركة فيه.. إلخ. لقد تمت معالجة هذه القضايا باستفاضة تستحقها عبر جلسات خمس مكثفة شارك فيها من مصر ساسة وخبراء ليبراليون بارزون فى مقدمتهم د. أيمن نور ود. هالة مصطفى، ود. أحمد سعيد، ود. عمرو حمزاوى. ولم يكن خافيا على الإطلاق حالة القلق أو الخوف لدى المشاركين من تداعيات الموقف الراهن فى مصر، وسيطرة حزب الحرية والعدالة، وجماعة الإخوان المسلمين، على الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وبوجه خاص حريات التعبير والإبداع. ولقد أعجبتنى بشكل خاص كلمة د. أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار والتى أنقل هنا ما ذكره فيها بقوة: «إن الثورة المصرية لن تسمح لجماعة باضطهاد أقلية دينية على أرض مصر، أو الاعتداء على الكنائس والمقدسات، واستغلال منابر المساجد لتكفير المعارضين، وإهدار دم مواطنين مصريين شركاء فى الوطن».. و«أن حرية الإنسان وكرامته ستظل فى قلب الثورة المصرية وفى قلب مشوار النضال الطويل للقوى الليبرالية المصرية إلى أن تتحقق دولة العدل والمساواة ودولة القانون».. و«لن يقبل المصريون بغير وداعتهم وإبداعاتهم وحقوقهم وتراثهم الفكرى الإنسانى العظيم.. لن يقبل المصريون بغير أزهرهم منارة الاعتدال والتسامح، وبغير كنيستهم التاريخية نموذج الوطنية المصرية على مر العصور». غير أن ما يلفت الانتباه -بل ويثير الإعجاب- فى ذلك النشاط هو الدور المحورى الذى تلعبه مؤسسة «فريدريش ناومان» الألمانية بكفاءة وحرفية عالية، والأهم من ذلك بإيمان عميق بقضية «الليبرالية» والعمل الجاد والمنظم لنشر تقاليدها وأفكارها. وفى حين تحترم المنظمة القوانين المحلية (بما فيها القوانين المصرية) التى تحظر تعامل الأحزاب مع الهيئات الأجنبية، إلا أنها من خلال نشاطها مع المجتمع المدنى، ومن خلال عقد الندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية تلعب دورا لا يمكن إنكاره فى نشر قيم ومبادئ الفكر الليبرالى العالمى، التى تعلى من قيمة الحرية عموما، وحرية الفرد خصوصا، كأساس لنهضة المجتمع والدولة. ولقد قدر لى شخصيا أن أتعامل معهم عن قرب، وألمس حساسيتهم المفرطة إزاء قيم وتقاليد المجتمع المصرى: العربى، المسلم، والحرص على إزالة أى لبس أو غموض فى تعارض المبادئ الليبرالية العظيمة والتى تدور حول إعلاء واحترام حرية الفرد (المواطن، الحر).. وبين تلك القيم والتقاليد. غير أن من المثير أيضاً أن نلحظ التأثير «الوحدوى» لأنشطة تلك المؤسسة على النطاق العربى، فتجميع الليبراليين العرب معا (حتى ولو فى ضيافة ورعاية مؤسسة ألمانية) ينطوى فى الواقع على توحيد وتجميع القوى العربية المتماثلة فى أفكارها وتوجهاتها السياسية، أى إن الأمر يتعدى تشجيع الأفكار والقيم الليبرالية إلى البحث عن القواسم المشتركة بين الأقطار العربية إزاء تلك الأفكار والقيم، والعمل على التقريب بينها، فمن المؤكد أن تقبل المجتمع المصرى لقيم وأفكار «الليبرالية» سوف يختلف فى المجتمع الخليجى عنه فى مجتمعات المغرب العربى.. إلخ. مما يجعل من عملية التفاعل بين القوى الليبرالية العربية أكثر فائدة وأعمق تأثيرا بكثير مما يبدو للوهلة الأولى. وأخيراً، وعندما كنت أتأمل دور تلك المؤسسة الألمانية فى الجمع بين الأحزاب والقوى الليبرالية العربية، وخلق «تيار ليبرالى» عربى واحد.. خطرت إلى ذهنى حقيقة الدور الذى لعبته بريطانيا «العظمى» فى منتصف أربعينات القرن الماضى، عندما استجابت «لأمانى الشعوب العربية» وشجعت رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس للمضى قدما فى دعوة الزعماء العرب للاجتماع فى أنشاص عام 1946 لإنشاء جامعة الدول العربية! إنها كلها حقائق يجب أن نستوعبها ونعترف بها، فليس من المهم أبدا أن تأتى المبادرة بالتجميع العربى، أو بالتقريب بين قوى وتيارات وأحزاب عربية على يد قوة أجنبية معينة، المهم أن ندرك ونتعلم وندرب أنفسنا على أن تكون المبادرة بالتعاون والتنسيق والوحدة فى المستقبل نابعة من ذاتنا نحن وإرادتنا نحن، مع كل الشكر والامتنان لمن ساعدونا وشجعونا!