رسالة يوم الكتاب العالمى (23 أبريل) والتى يتم اختيار كاتب مختلف كل عام لكتابتها، كما تترجم إلى لغات مختلفة، وتبث عبر بلدان عديدة، اختارتنى (جمعية أصدقاء الكتاب) بالمملكة المغربية لكتابة رسالة هذا العام.. هل يمكن الحديث عن القراءة (أو أزهار بريخت) حين يكون هناك بشر يقتلون؟ هل يمكن الحديث عن أعياد للقراءة، عن يوم عالمى للكتاب، ومعدلات الدخل فى انخفاض متواصل؟ هل الفقراء يقرأون؟ هل مسموح لهم بالقراءة؟ هل القراءة فعل اقتصادى، يزداد فى الدول الغنية، وينخفض فى الدول الفقيرة؟ (إحصائيات اليونيسكو الأخيرة تشير إلى أن نصيب المواطن العربى سنوياً، لا يتجاوز ربع صفحة كتاب!! فى مقابل 11 كتاباً نصيب المواطن الأمريكى سنوياً، و7 كتب نصيب المواطن البريطاني) نصيب العربى ربع صفحة كتاب سنوياً، رغم ارتفاع المستوى الاقتصادى فى كثير من المناطق العربية، وعلى العكس، البلدان الأكثر فقراً عربياً هى الأكثر قراءة، وهو ما يعنى أن الفقر ليس إجابة، ولا هو المسئول بمفرده عن تدنى معدلات القراءة العربية، وانصراف الناس عن الكتاب.. الثورات والحروب والأحداث السياسية الساخنة، والمشاكل والتوترات أيضاً ليست إجابة، على العكس قد تكون محركاً أكبر للبحث، ودافعاً للسؤال، وسبباً فى تغير مؤشرات القراءة (إحصائيات النشر فى مصر خلال العام الماضى، حيث كل شىء مقلوب على رأسه، الدم فى الشوارع، والخلاف والانقسام والفوضى تعصف بكل شىء، تشير إلى تراجع الكتاب السياسى، وتقدم الكتاب الأدبى، الرواية تحديداً). القراءة نوع من الحل، خروج من المأزق، وشكل من أشكال مقاومة التخريب، وكل ما أفسدته السياسة فينا، مقاومة بخيال مختلف، تبنى وتراكم خبرات، تطور وعى وتغير عقلية.. ولعل الصراع السياسى المشتعل فى مصر الآن، وفى كثير من المناطق العربية، صراع محكوم بالثقافة وحضور الكتاب، صراع بين عقليتين: عقلية قديمة وعقلية حديثة، بين ذهنية متطورة تقرأ وتطالع وتفكر، وذهنية أخرى تخشى الضوء، وتفزع من الصوت والحركة.. وفى انخفاض شعبية الإخوان المسلمين (المعادين تاريخياً للثقافة)، وهزيمتهم على مستوى الشارع المصرى، تأكيد على الطبيعة الثقافية للصراع، ودور الكتاب كأحد الأسلحة الفاعلة والمؤثرة والمقاومة.. القراءة فعل مقاومة، حائط صد للخراب والتخبط والفوضى التى نعيشها، إعادة للتوازن والتماسك، والأخذ بأيدينا لاستعادة ما يتبدد فينا، يمكن لكتاب صغير أن يعيد الأمل والحياة، أن يسقى ما تم جفافه، جزء من معركة الحياة، يصونها ويصوب خطواتها، ويمنحنا الثقة فى الاستمرار والتواصل، يذكرنا أننا بشر، وأننا لا نزال نحيا، ونستحق حياتنا.