سؤالى سيبدو عجيباً حين أطرحه هكذا: كم واحداً لديه مكتبة منزلية تحوى فقط خمسين كتاباً أدبياً؟ والسؤال الأكثر تطرفاً: من منا يقرأ نحو ستة كتب أدبية فى العام، بمعدل كتاب كل شهرين؟ طرحت هذين السؤالين العجيبين، لأننى منذ عقود لم أعد أرى فى بلادنا العربية أى رعاية لكائن يحتضر بلا كبرياء، اسمه الكتاب، انعدمت المكتبات فى المدارس وفى الأحياء بل فى البيوت! وأضيف سؤالاً اختيارياً طريفاً وليس متطرفاً: كم هو الوقت المتاح أو عدد البرامج التليفزيونية والإذاعية التى تستضيف أدباء وفنانين وتقدم أعمالهم وتناقشهم فيها؟ وكم فى المقابل وقت وعدد البرامج التى تستضيف الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات؟ وهل هناك أى إعلان عن كتاب باعتباره أيضاً سلعة فكرية؟ * ثم سؤال للنخبة التى تقتنى مجاناً ولا تقرأ: لماذا فى الدول العربية تحديداً يصر الكثير من القراء الميسورين والمحفوظين بمَحافظ تدفع عنهم العوز والتسول، لماذا يصر هؤلاء على الاقتناء المجانى للكتاب، ومِن الكاتب نفسه فى أغلب الأحيان؟ لماذا يذكّرون الكاتب -عند صدور كتاب له- بضرورة أن يرسله لهم أو يحجز لهم نسخة مجانية ممهورة بالتوقيع، وكأن هذه الكتب مجرد «كتالوجات»، وعليه أن يتهلل لهذا الطلب الجميل؟! هل يفعلون هذا مع مطربهم المفضل أو مطربتهم المفضلة؟ هل حين يلتقون بالممثل مثلاً -أو المخرج- يطلبون منه أيضاً أن يهديهم «سى دى» عن فيلمه الأخير؟ * هذه التساؤلات ليست للوم «البنى آدم» العادى الفقير (وهو يمثل الغالبية العظمى الآن)، الذى يجاهد ليشترى يومه ثم الدواء إن أمكن، والذى لا يفكر فى «الكماليات» التى لا تغنى عن وجع أو جوع بطن. * كيف ندعى أننا أفضل البشر ونحن نشكل أعلى نسبة مئوية عالمياً فى الأمية، تزداد فيها نسبة الإناث بشكل أكثر خجلاً؟ ولماذا يزيح البعض المشكلة وأسبابها إلى المستعمر الأجنبى؟ أين هو هذا المستعمر الأجنبى فى أيامنا هذه، الذى يمنعنا من بناء المدارس وصناعة الكتاب وتوزيعه ونشره؟ قسماً إن هذا المستعمر المحلى الجهول الكاره للقراءة والعلم والأدباء والفنانين والعلماء، لهو أسوأ وأخطر مستعمر فى هذه البلاد ببلادته! * لا بد فى النهاية من إحصائية مقارنة لن ينتبه لها إلا قلة، فلتكن مجرد زينة فى جريدة أو كتاب أو حلية للمناقشة فى مؤتمر أو قاعة درس أو مناقشة: ► توضح الدراسات التى تتناول موضوعات القراءة أن معدل القراءة لدى الفرد العربى لا يتعدى 6 دقائق سنوياً (ست دقائق)، فى حين أن حصة نظيره الأوروبى تبلغ نحو 200 ساعة سنوياً (مائتى ساعة)، يعنى 2000 ضعف (ألفى ضعف)! ► يبلغ عدد عناوين الكتب الصادرة سنوياً فى الوطن العربى كله 5000 عنوان، وفى اليابان 35000، وفى أمريكا 85000. ► وبما أن عدد سكان الوطن العربى وفقاً لإحصاءات العام 2012 وصل إلى 367 مليون نسمة، فسيكون لدينا إصدار جديد واحد لكل 74000 شخص، فى اليابان (128 مليون نسمة) بمعدل إصدار جديد واحد لكل 3700 شخص، وفى أمريكا (313 مليون نسمة) المعدل مثل اليابان. ► إحصائية 2010 تقول إن النمساويين (ثمانية ونصف مليون نسمة) صرفوا فى ذاك العام 477 مليون يورو على الكتب فقط، يعنى حوالى 56 يورو للفرد فى المتوسط للصرف على الكتب، (أما الصحف والمجلات فأنفقوا عليها ما يزيد على المليار يورو، والكتب التعليمية سواء للمدارس أو الجامعات أو غيرها أنفقوا عليها 386 مليون يورو). وأخيراً، ليس لدىّ توصيات ولا استخلاصات ولا نصائح.. انتهى الكلام!