شهدت الجمعيات الأهلية تطوراً وتنوعاً كبيرين فى مصر، حيث توجد الجمعيات الخيرية التى تعمل على سد عجز الحكومة عن تقديم خدمات أساسية للمجتمع، مثل الجمعيات الشرعية التى ترعرت فى عصر مبارك والتى لعب الإخوان والجماعات الدينية من خلالها دوراً مهماً فى جمع تمويل هائل وبناء شبكة ضخمة من الفقراء المنتفعين، لكنها ساهمت بقوة فى زيادة الفقر ونشر ثقافة التسول والاتكالية عوضاً عن توفير فرص عمل، كما دعمت الفشل الاقتصادى لنظام مبارك، أيضاً الجمعيات التنموية التى تسعى إلى تعليم المحتاجين وتدريبهم على فرص عمل توفر حياة كريمة، لكن هذا النوع يواجه عسف السلطة الإدارى ضد جمهورها الذى يدمر الفساد مشروعاته الصغيرة، لذا تطورت الجمعيات المصرية مع جمعيات حقوق الإنسان التى لا تعمل مع المواطنين باعتبارهم بطوناً بلا عقول، وإنما عملت على تأكيد مفاهيم المواطنة وأن الحاكم خادم لشعبة ليس من حقه قمعهم وإن لم يستطع أداء عمله فليرحل. بالطبع عانت الجمعيات الحقوقية العديد من أشكال القمع، فبالإضافة إلى الاعتقال والسجن والتعذيب لنشطاء حقوق الإنسان وحملات تشويه السمعة كان قانون الجمعيات من وسائل القمع الأساسية. ويُعد القانون الجديد المقترح للجمعيات الأهلية إعادة إنتاج لقانون الجمعيات الذى كان مبارك يعتزم إصداره فى الشهور الأخيرة قبل الثورة للإجهاز على الجمعيات الأهلية، وخاصة الحقوقية. والعجيب أن خطاب رجال مرسى متطابق مع خطاب رجال مبارك حول التمويل الأجنبى كمبرر للقضاء على الجمعيات الحقوقية وإفساح المجال للجمعيات التى تستثمر فى إفقار المصريين، ومن ثم لا يقترب من التمويل القطرى أو العربى أو التمويل الداخلى الهائل باسم مشروعات الكفالة وبناء المساجد التى لا أحد يعلم إلى أين تتجه أو أى أنشطة شرعية أو غير شرعية تمول. عندما كانت جماعة الإخوان المسلمين فى المعارضة قبل الثورة، وكانت الجمعيات الحقوقية تعمل ليل نهار للدفاع عن حقوق أعضائها وتستضيف قياداتها فى المؤتمرات رغم مواجهة مخاطر أمنية هائلة جراء ذلك، لم تكن تسأل الجماعة عن مصادر التمويل، ولكن عندما انتقلت جماعة الإخوان المسلمين للحكم تسعى الآن لوقف نشاط ومصادر تمويل منظمات حقوق الإنسان. لقد قامت الجمعيات الحقوقية بطرح بدائل للقوانين القمعية للجمعيات الأهلية المتعاقبة، إلا أن حكومة الدكتور مرسى التى تتجه إلى استبدال قانون قمعى للجمعيات الأهلية ببديل آخر أكثر قمعاً وتسلطاً لم تستجيب بل دأبت على حصار هذه الجمعيات عن طريق التعسف فى التضييق على مواردها، وتدخل الأمن فى عملها لتسهيل مهمة قمع حرية التعبير والصحافة، والقضاء على الحماية النسبية التى توفرها الجمعيات الحقوقية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. كما تستهدف تأميم الجمعيات عن طريق اعتبار أموالها فى حكم الأموال العامة، وموظفيها فى حكم الموظفين العموميين، الأمر الذى يتعارض مع أساس وجودها كمؤسسات تعمل بالإرادة الحرة لمؤسسيها، كما يمنح مشروع القانون الأجهزة الأمنية حق الاعتراض على أنشطة الجمعيات الأهلية من خلال حق البت فى تمويل هذه الأنشطة، وحق الرفض دون إبداء أسباب، بالإضافة إلى العقوبات السالبة للحرية فى حالة مخالفة أحكامه. كما اشترط أن تكون أنشطة المنظمة الأجنبية التى تعمل فى مصر متفقة مع ما سماه «احتياجات» المجتمع المصرى، وبالتأكيد حقوق الإنسان من وجهة نظر الجماعة الحاكمة ليست من احتياجات المجتمع، لكننا لن نتنازل عنها حماية للمصريين وأيضاً الإخوان الذين قطعاً سيحتاجونها قريباً جداً.