هل تمتلك جماعة «الإخوان» بين صفوفها من يملك الموهبة الإبداعية فى مجال الأدب؟ وهل هناك ما يمكن أن يطلق عليه «الأدب الإخوانى»؟ وما تقييم النقاد والمبدعين للتجارب الأدبية التى نتجت من أدباء الإخوان على مدار ثمانين عاماً؟ وأين يمكن لمؤرخى الأدب الحديث أن يضعوا أدباء الإخوان على خارطة الأدب العربى؟ وما حقيقة ادعاءات الإخوان أن الحركة النقدية ظلمت إبداعاتهم وأهدرت قيمتها الفنية وحصرتهم فى الخطابية والمباشرة واتهمتهم بمخاصمة الأصول الفنية للأجناس الأدبية؟ فى هذا التحقيق نرصد إجابات هذه الأسئلة من خلال آراء بعض النقاد والمبدعين، الذين تابعوا على مدار العقود الماضية، الإنتاجات الأدبية المختلفة لأدباء ينتمون إلى جماعة الإخوان. الناقد الأدبى د. جابر عصفور يتحدث فى البداية قائلاً: «لا أذكر أننى قرأت لكاتب أو شاعر متميز ينتمى إلى جماعة الإخوان، ولن يجد القارئ فى صفوف كتّابهم من يصل إلى قامة كبار الكتاب، كجمال الغيطانى أو خيرى شلبى أو أمل دنقل أو غيرهم، والأديب الوحيد المنتمى إلى الجماعة وكتاباته لا بأس بها هو نجيب الكيلانى الذى أذكر أن إحدى رواياته وهى (ليل وقضبان) تحوّلت إلى فيلم سينمائى فى مطلع السبعينات، أما عن الروايتين المنسوبتين إلى سيد قطب وهما (أشواك) و(المدينة المسحورة) فمستواهما الفنى ضعيف، ولا يرقيان إلى مستوى الأدب الجيد». وأضاف: «لو تأملنا ثقافة الإخوان لن نجد أى نوع من الإبداع الأدبى، لأن طبيعة التربية الإخوانية المعتمدة على السمع والطاعة لا يمكن أن تصنع أديباً، فالأدب قائم على التمرُّد على الواقع ورفضه وإعمال الخيال للبحث عن الأكمل والأفضل، ولا أعتقد أنه من الممكن لأى منتمٍ إلى هذه الجماعات أن يحقق نجاحاً فى هذا المجال، والدليل أن من يبدأ فى التفكير ترفضه الجماعة وتطرده ويكون الناتج عملاً إبداعياً مثل (سر المعبد) لثروت الخرباوى، الذى أعتبره نموذجاً جيداً ولكنه استثنائى». ويتفق معه فى الرأى الناقد الأدبى د. صلاح فضل، قائلاً: «لا يوجد ما يُسمى بأدب الإخوان، ولكن هناك بعض الجماعات التى رفعت شعار (الأدب الإسلامى) منذ حوالى عقدين، وناقشناهم طويلاً فى أن هذا خطأ فادح، ولكنهم زعموا أن هذا النوع من الأدب هو الذى يلتزم بمنظومة القيم الدينية، وبالتالى فهو يخرج من نطاق الأدب ليصبح مجموعة من الأعمال الأيديولوجية التى تتنافى مع الإبداع، وتصبح نوعاً من الدعاية لا ترتقى إلى مستوى الأدب». وأضاف: «ويشهد التاريخ أن بعض زعماء الإخوان كانت لديهم موهبة فى نتاجهم الأدبى قبل الانخراط فى هذا الانتماء، مثل سيد قطب الذى كان ناقداً جيداً وناثراً مرموقاً، لكنه بمجرد اعتناقه لعقيدة الإخوان كرّس كل طاقته الأدبية والإبداعية لتفسير القرآن الكريم، وأنتج نموذجاً رائعاً من الناحية البلاغية، وكل أعماله الإبداعية الجيّدة كانت سابقة على انتمائه الدينى للجماعة، وبجانب (قطب) هناك نجيب الكيلانى الذى كانت له بدايات جيدة، لكن مستواه الروائى تأثر بالتزامه الدينى، وما عدا ذلك لا نجد فى صفوف الإخوان أديباً يُعتد به ولا كاتباً مسرحياً أو ناقداً متميزاً». ويرى الأديب جمال الغيطانى أن أدباء الإخوان لم يحققوا أى نجاح، ولم يظهر فى صفوفهم من يمكن أن نطلق عليه مبدعاً كبيراً، يقول: «فى فترة الستينات والسبعينات ظهر الأديب نجيب الكيلانى، وقدم عدداً من الروايات متواضعة القيمة، وما عدا ذلك لم نر أديباً ذا موهبة فى الإخوان، أما سيد قطب فقد كان مشروع كاتب وأديب جيد وناقد مميز، لكنه عقب عودته من أمريكا لم ينتج أى عمل يُحسب له، فطبيعة التربية داخل تنظيم مثل الإخوان تقتل أى إبداع وأى ملكة». ورغم أن الروائى سعيد الكفراوى يرى فى كتاب «قصة القرية» لسيد قطب نموذجاً متميزاً لأدب السيرة الذاتية، إلا أنه يؤكد أن ذلك لا يُحسب لأدب «الإخوان» ويُفسر ذلك قائلاً: «كتب قطب هذا الكتاب قبل سفره إلى أمريكا وقبل أن ينتمى إلى الجماعة ويتأثر بأيديولوجياتهم، حيث كان وقتها متحرراً ومتفتحاً وناقداً متميزا أسهم فى تقديم أدباء كثيرين كان فى مقدمتهم نجيب محفوظ». وأضاف: «أما الأشعار الخاصة بالمنتمين إلى الجماعة فهى تعتبر امتداداً لمدرسة أبوللو فى الشعر، والتى ظهرت فى الثلاثينات، ولا تخرج غالبية أشعارهم عن كونها أشعار مناسبات ومدائح، ولكن حركة الشعر منذ الثلاثينات وحتى الآن لم تشر إلى تجربة شعرية حقيقية لشاعر ينتمى إلى الإخوان، ولا توجد أمارة إبداعية أو حداثية فى أى عمل إبداعى خرج من تيارات الإسلام السياسى، وأنا ممن يعتقدون أن الإبداع الحقيقى لا يمكن أن ينتج عبر أيديولوجيات وأفكار مسبقة مثل تلك التى يعتنقها من ينتمى إلى جماعات مثل الإخوان». وعن ادعاء بعض الأدباء المنتمين إلى الجماعة أن الحركة النقدية تجاهلت إبداعاتهم عبر السنوات الماضية، يقول الشاعر جمال بخيت: «لا أعتقد أن الحركة النقدية التى تضم عدداً محدوداً من النقاد يمكن أن تنجح فى فرض أو منع أى نوع من الأدب عن الجماهير التى تنفعل بأى أدب حقيقى فى مجالات الشعر والرواية والقصة، لذا فهذه حجة واهية، والحقيقة أنهم لا يملكون أى نوع من الأدب اللافت للنظر، ولا يمكن أن يمتلكوه، طالما أنهم ينتمون إلى جماعة تفرض على من يلتحق بها أن يترك عقله على بابها كشرط لقبوله، والتاريخ علّمنا أن أى تنظيم فاشى يعمل على تنميط البشر لا يمكن أن ينتج عنه أدب حقيقى، والدليل على ذلك الحزب الشيوعى السوفيتى الذى لم ينتج عن المنتمين إليه أدب حقيقى، وإذا تأملنا الآية الكريمة «وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ» نجد أنهم متبوعون وليسوا تابعين، وهذه سمة أساسية للمبدع يستحيل أن يملكها من ينتمى إلى الإخوان». وأضاف: «حتى ادعاؤهم أن معارضتهم للنظام السياسى أسهمت فى عدم انتشار أدبهم، أعتبره كلاماً فارغاً، فهذا سبب أدعى لأن يبحث الناس عن كتبهم وينفعلوا بأدبهم، كما حدث مع شعراء بحجم وقيمة أحمد فؤاد نجم وفؤاد حداد وأمل دنقل وغيرهم، ولكن الواقع أن أغلب أعمالهم منشور فكرى موجّه يفتقد على الإطلاق إلى أى ملمح إبداعى».