أنهت مكالمة النصف ساعة الهاتفية التى أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو مع نظيره التركى رجب طيب أردوغان يوم 22 مارس المنقضى، بحضور الرئيس الأمريكى باراك أوباما، جفاء الأعوام الثلاثة بين أنقرة وتل أبيب، والذى يأتى على خلفية مهاجمة جيش الاحتلال الإسرائيلى للسفينة التركية «مافى مرمرة» التى كانت ضمن أسطول الحرية الهادف إلى كسر الحصار الإسرائيلى على غزة وأسفر عن مقتل تسعة نشطاء أتراك. فخلال هذه المكالمة، التى كانت الأولى من نوعها بعد فوز نتنياهو بالانتخابات الإسرائيلية عام 2009، اعتذر الأخير عن حادثة أسطول الحرية، وهو ما اعتبره أردوغان نصرا مؤزرا يستوجب الترحيب وإعادة علاقات بلاده مع إسرائيل فورا إلى سابق عهدها من الدفء والتعاون الاستراتيجى رفيع المستوى على كافة الصعد. ويجوز القول إن استراتيجية حكومة العدالة التركية الرامية إلى تصفير المشاكل مع دول الجوار، وكذا مساعيها الهادفة إلى إيجاد ظهير استراتيجى عربى إسلامى موازٍ للمسارات القلقة والمتعرجة فى علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وإسرائيل، قد تلقت ضربة قوية جراء الثورات العربية وما يدور حاليا فى سوريا، التى تعد بوابتها إلى العالم العربى. فباستثناء ما تحصلت عليه أنقرة من كعكة استثمارات إعادة الإعمار فى ليبيا ما بعد القذافى، انتكست المشاريع التركية فى العالم العربى جراء تعقد المشهد السورى وتشابكه، فضلا عن استمرار أجواء التعثر والتردد التى تلف مبادرات التقارب المصرى التركى بعد سقوط نظام مبارك. وفى خضم هذه الانتكاسات الإقليمية والارتباكات الدولية، هرع أردوغان نحو تنفس الصعداء عبر التخلص من الأثقال الداخلية والخارجية للجفاء مع تل أبيب، فإلى جانب نشره إعلانات ضخمة بشوارع إسطنبولوأنقرة تقول إن «الشعب التركى يشعر بالزهو والكبرياء حيال الاعتذار الإسرائيلى»، عمد رئيس الوزراء التركى إلى كبح جماح العبث الإسرائيلى بأمن تركيا القومى من خلال دعمها العمليات المسلحة لمقاتلى حزب العمال الكردستانى ضد الدولة التركية، حيث ارتأى سروهان بولوك رئيس تحرير جريدة «آيدينلك» التركية، أن تزامن جولة أوباما الشرق أوسطية وإتمامه للمصالحة التركية الإسرائيلية، مع إعلان عبدالله أوجلان عن هدنة من محبسه بجزيرة إيمرالى التركية لوقف العنف إزاء الدولة التركية، لا يبرئ دور تل أبيب وواشنطن فى تأجج الأزمة الكردية. وبينما وجدت حكومة العدالة التركية أن تعثر استراتيجيتها ومشاريعها حيال العالم العربى قد تزامن مع شعورها بأن مشروعا غربيا إسرائيليا يرتب لإعادة هندسة المنطقة جيواستراتيجيا وفقا لاعتبارات إثنية على خلفية الربيع العربى، فقد سارعت إلى ترميم علاقاتها وتدعيم تحالفاتها مع أصدقائها التقليديين توخيا لتعظيم نصيبها من غنائم أى ترتيبات إقليمية مزمعة. وبناء عليه، يجوز الادعاء بأن مجىء رياح الربيع العربى على غير ما كانت تشتهيه السفن التركية الباحثة عن شطآن الريادة ومرافئ الدور الإقليمى، قد جعل من موجات التغيير التى تجتاح العالم العربى حاليا جرس إنذار لإعادة توجيه بوصلة الرهان التركى على العرب ليتحول صوب حلفاء أنقرة التقليديين استعدادا لما سوف يطال المنطقة من تغيرات محتملة، على غرار ما جرى فى اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، ومن بعدها الحرب الباردة التى جعلت تركيا تشيح بوجهها عن العرب والمسلمين وترتمى فى أحضان إسرائيل وأمريكا وأوروبا قبل عقود ستة خلت. فلعل الدول العربية تتعلم الدرس وتعى جيدا ما يدور من حولها وما يرتب لها، عساها تتحرر من إسار التبعية وتنفض عن نفسها غبار الرهان على الآخرين، وتتفق أو تتوافق حول ما يدعم مصالحها ويحمى مستقبلها من عبث العابثين.