سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بعيداً عن الأنظار.. عبدالباسط عزب أول مقدم برامج تليفزيونية كفيف يعيش بين النجوع مع ذوي الإعاقة عبدالباسط عزب ل"الوطن": الإعاقة في مصر بفعل فاعل.. ومراكز المعاقين تزيدهم إعاقة
يخرج إلى العالم من باب جانبي أسفل مسكنه بابتسامة مرسومة على الوجه، ينظر لمن حوله من جيرانه ويحدثهم ببشاشة وتلقائية، يتجه نحوك ويمد يديه ويُلقي السلام، كل هذا ولا تدرك ما يعانيه، فهو ترك من ورائه وبين جدران منزله كل همومه ليبقى لك ما تراه، وجه مبتسم متحدث لبق، اجتماعي من الدرجة الأولى، يصحبك في رحلة لعالم آخر، عالم لا يعرفه سوى الفقراء والمهمشين، عالم لا تدركه، فهو يجلس معهم بعيدًا عن الأنظار. يُخرج هاتفه ليحدث سائقه، بقوله "أنت فين يا عم هنتأخر على التصوير؟"، ليتبعه السائق بصوت سيارته الأجرة المتهالكة، ويمد يديه نحوه ويفتح باب السيارة، وهنا يطلب المساعدة لدخول السيارة، "ممكن تمسك إيدي وتسندني"، فتدرك بنظرة متفحصة في عينه أن الرجل كفيف، يبدأ رحلته في طريق متعرج غير ممهد، تتأرجح السيارة المتهالكة يمينًا ويسارًا، يفاجئنا "عبد الباسط " بين الحين والآخر محاورًا السائق "إنت مأخدتش الطريق الدائري ليه أسهلك"، وبعدها بقليل "دي منطقة كرداسة مش كدة"، فيرد السائق ببشاشة "خلاص فضلنا كام كيلو ونوصل كفر حكيم"، ثم يسأله "إنت هتعمل ايه هناك يا أستاذ"، فكانت الإجابة "أنا مذيع وهصور مع الأطفال المعاقين في كفر حكيم واتكلم عن مشاكلهم"، فينظر السائق ويتعجب ثم يبتسم ويعود لصمته ومتابعة طريقه نحو مركز "حلم طفل"، حيث تنتظر الكاميرات أول مقدم برامج تلفزيونية كفيف. بترحاب شديد، يستقبل مخرج البرنامج الدكتور عبدالباسط، ويتحاوران في جلسة ودية، تخللها الحديث عن العمل وموضوع الحلقة، ليأتي وقت العمل فتُفتح الكاميرا، وتسلط الإضاءة على وجه المذيع، ويطلب مخرج البرنامج تجربة الصوت للتأكد من ظهوره، الصمت والسكون يعم المكان، المخرج يُعطي إشارة البدء، فيخرج صوت قوي يتحدث الفصحى بطلاقة، في مقدمة افتتاحية تساؤلية "وهنا في أحد المراكز التي تقوم على خدمة ذوي الإعاقة بقرية حكيم مركز مهم جدًا، هو مركز "حلم طفل" بماذا يحلم؟ ولماذا يحلم؟ كيف يحلم؟"، إجابتها كانت لسان حال الدكتور عبدالباسط عزب، مدير برامج ذوي الاحتياجات الخاصة بقناة "إرادة" الفضائية. "شفته لأول مرة بيحكي أمام الكاميرا ما عرفت إنه كفيف"، بلهجة شامية تحدث المخرج السوري حسان الدالي، عن دكتور عبدالباسط عزب، فيحكي ل"الوطن" عنه "أعجبني إلقاؤه وطريقته المميزة في الحوار وإعداد البرنامج، يتعامل مع الكاميرا بسلاسة ويُسر، يقرأ من الورق ويعيش الحالة فلا يشعر المشاهد بإعاقته"، ومن الناحية التقنية "أشعر به مخرجًا، فهو يعرف متى يتجه بنظره للكاميرا ومتى ينظر للضيف، بل يشعر بوضعه تحت أضواء الاستديو أفضل من أقرانه المذيعين". ينتهي عبدالباسط من حواره مع ضيفه، ويخرج في جولة داخل أركان المركز، يتفقد أحوال الأطفال، فيناديهم ويداعبهم، ويخفف الآلام عن أمهاتهم ويواسيهم. "ببساطة أنا لا أعاني مشكلة مع إعاقتي"، كانت إجابته عن تعجب مَنْ حوله من طبيعة عمله، فقراره كان التوجه لذوي الإعاقة في برنامجه، لا ليظهر معاناتهم، وإنما ليظهر قدراتهم ومواهبهم وإبداعاتهم، التي اتهم الإعلام بتشويهها، قائلاً "صورة المعاق في الإعلام المصري أنه واحد شحات محتاج مساعدة، وليس إنسانا طبيعيا يمتلك قدرات لا توجد في أقرانه من الأشخاص الطبيعيين". من دول أوروبا التي عاش فيها لسنوات، حيث حصل على درجة الدكتوراه من فرنسا إلى نجوع وكفور مصر كانت الحياة، التي انقلبت رأساً على عقب، فمن الحياة السلسة البسيطة والتكنولوجيا المتقدمة في مراكز ذوي الإعاقة إلى الطرق المتعرجة والخدمات المعدومة في قرى وأقاليم مصر، والتي يصفها بقوله "المعاق في مصر معاق بفعل فاعل، أما المعاق في أوروبا معاق قضاء وقدر"، حتى المراكز التي من المفترض لها خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، قال عنها "مراكز المعاقين في مصر تزيد المعاق إعاقة على إعاقته". "مرة طلبت من شخص يعديني الشارع بعد ما عداني طبقلي 5 جنيه في إيدي"، صورة نمطية عن المعاقين مستوحاة من قصة حقيقية سردها الدكتور عبدالباسط عزب، فهو يرى أن الإعلام هو من رسخ تلك الصورة في أذهان المواطن، قائلاً "ننظر دائماً للمعاق من باب الشفقة والصعبانيات فقط"، ولهذا بدأ رحلته في الإعلام عام 2004، ومن التلفزيون المصري قدم برنامج "رؤية أمل"، وهي كانت الانطلاقة التي خطى بها أولى درجات السلم الإعلامي، ليفدم بعدها برنامج" مهرجان نجوم العطاء" على قناة العطاء الكويتية في تجربة استمرت 3 سنوات. "العجلاتي الكفيف" و"المزارع العجوز الذي لم تمنعه إعاقته عن العمل بين الزراعات والخروج بحماره إلى الغيط كل يوم"، كلها نماذج عرضها "عبدالباسط" على الشاشة في قناة "إرادة"، ليحول دفة الإعلام نحو معاق يمتلك من القدرات الكثير، دون استغلاله مادياً أو البكاء على إعاقته لجمع الكاشات، كما يحدث كل يوم في شاشات تدعي أنها تقدم إعلاماً نظيفًا. "أقول للمعاق انسى إنك معاق، وإذا تذكرت أنك معاق ارضى إنك معاق، وإذا رضيت إنك معاق تتغير للأحسن"، هكذا كانت نهاية حلقة من تجربة معاق، عاش بين كاميرات وخرج صوته من الميكرفون، ليعبر للجميع ويقرب المسافات بينه وبين مجتمع، ويكسر قاعدة ويعلنها صريحة "فاقد الشيء دائماً يعطي لأهله ومجتمعه".