لم يعد خافياً على أحد أن جماعة الإخوان تمتلك «كتائب إلكترونية» تنتج «العنف اللفظى» المنظم، حيث تبث شتائمها ضد المخالفين للجماعة فى الرأى والموقف، وتصل فى هذا إلى حد لا يرضاه دين، ولا تقبله أخلاق، ولا يمكن لسلطة رشيدة أن تصمت عليه أو تفكر فى استغلاله واستحلاله وكأنه من قبيل الجهاد، الذى ينتظر من يقوم به ثواباً من الله. وقد لاحظ كتاب ومفكرون ومثقفون وساسة وحقوقيون وعاملون فى مجال المجتمع المدنى وغيرهم أن شتائم منظمة وممنهجة تُكال إليهم، وترمى إلى الحط من قدرهم، عبر إطلاق الشائعات المسمومة، والسباب الجارح، وحرّف متابعو ما يكتبون وما يقولون عن جوهر الكتابة إلى قضايا فرعية أو حارات جانبية لا علاقة لها بمجرى الكلام، وذلك كله فى عملية «جدل سوفسطائى» من نوع غريب، تمارسه جماعة تقول لمن ينضم إليها: «لا تجادل» ثم تذهب لممارسة الجدل فى أوسع نطاق وأفظع صورة. وكنت من بين من لاحظوا هذا فى ركاب المشاحنات السياسية التى واكبت الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011، ونقلت ملاحظتى تلك وقتها إلى قيادى إخوانى كبير، وقلت له: ألف باء الفهم تبين أن هذه الشتائم ممنهجة وهى منكم. فقال لى: هى مدسوسة علينا. فقلت له: وهل هناك من لديه هذه الرغبة الدفينة فى بذل الجهد وتخصيص المال من أجل الدس عليكم، إن ما يتم وراؤه تنظيم واضح. فابتسم وقال: الأمن الوطنى. فقلت له: لا تنسَ أن من ضمن اهتماماتى تحليل النص والخطاب، وإمعان النظر فى مضمون ما يُكتب من شتائم يبين أن من يفعلها ينتمى إلى الإخوان، فالكلمات وبنية الجملة والأسلوب والإحالات والاقتطاف والاصطلاحات كلها منكم. فابتسم وقال: فى الحقيقة لسنا نحن، إنما هم السلفيون. فضحكت وقلت: أنتم الآن حلفاء، ومع هذا لا أظن أنهم هم؛ لأن خصائص ما يُكتب وما نطالعه أقرب إليكم منهم، فأنا أعرف مفرداتكم ومصطلحاتكم جيداً. كان يكذب كالعادة، وظهر هذا فى عينيه ومراوغاته، وراح كتّاب كثيرون يشيرون إلى منصة إطلاق الشتائم، ويحددون مكانها ومن يحركها ويتحدثون عن أجور منتظمة تدفع لمن يقومون بهذا العمل الكريه. لكن كل هذا ظل من قبيل التكهنات أو التسريبات الخفيفة التى لا تقيم دليلاً دامغاً، ولذا بقيت الفرصة سانحة أمام جماعة الإخوان للإنكار كالعادة. لكن الدليل لم يلبث أن أتى ناصعاً فى ركاب تحقيق استقصائى قام به مصطفى زكريا، المحرر بجريدة الصباح، بعد أن قدم نفسه للإخوان باعتباره شاباً كارهاً للتيار المدنى وراغباً فى أن يدافع عن الإسلام، وعبر وسطاء تمكن أن يعمل ضمن إحدى كتائب الشتائم تلك، وظل فى موقعه بضعة أشهر، خرج بعدها ليكتب تجربته كاملة، ولم يجرؤ أحد من الإخوان أن يكذبه؛ لأن ما كتبه جاء مشفوعاً بصور وشهادات، من الصعب إنكارها. إن هذا معناه أن جماعة الإخوان تمارس العنف اللفظى بطريقة ممنهجة، لم تكتف فيها بالغمز واللمز الذى تحمله تصريحات قادتها فى حق كثيرين من المختلفين معها، بل راحت تضع لها قواماً منظماً، من يطالع ما ينتجه قد ينعقد لسانه من الدهشة عن حجم البذاءة التى تخرج من أولئك الذين يدعون أنهم ربانيون، يكرسون حياتهم لنصرة الشريعة، وإعادة البشرية إلى القيم التى حملتها رسالتها الإسلام فى نصاعتها الأولى.