سيناريو الدورة الشهرية عند البنت المصرية هو سيناريو ينتمى إلى عالم التراجيديا، وتعامل الأسرة المصرية معها للأسف ينتمى إلى عالم الكوميديا، فالطفلة البريئة ذات التسع أو العشر سنوات دائماً ما تقابل هذه الحادثة فجأة وبلا سابق إنذار، من الممكن أن تكون مستغرقة فى لعبة، أو مستيقظة من نوم، وفجأة تباغتها نقط الدماء النازفة من مكان حساس وهى وحيدة لا تملك أى سند معرفى أو دعم عاطفى أو حتى مجرد تفسير، فهى متأكدة أنها لم تجرح، وهى متأكدة أيضاًً أن هذا النزف لا بد له من سبب خطير، أحياناً تصرخ، وأحياناً تصرّح، وغالباً ما يجبرها مكان النزف المحاط بالأسرار على أن تدفن مأساتها وتكتم فضولها وتنتظر المجهول والصدفة. كلنا يعرف مدى خوف الأطفال من منظر الدم، وكلنا يعرف أيضاً كم الممنوعات والمحظورات والتابوهات التى خلقتها الأسرة المصرية حول أى حديث عن البلوغ الجنسى لأطفالهم، وهنا تكمن المأساة، فالطفلة تقع أسيرة صراع نفسى رهيب بين «مطرقة» خوفها وفزعها من هذه الدماء و«سندان» الخجل من مصارحة الأهل الذين يرفعون راية العيب فى وجه أى فضول مشروع من الطفل حول جسده الذى يجهل تضاريسه، وتضطر الطفلة للجوء لصديقتها الأكبر سناً والأكثر جهلاً، وتظل المعلومة تتناسل من رحم جاهل لأجهل منه حتى يتكلس العقل على هذه المعلومة المغلوطة والخبرة المشوهة التى تظل مع البنت حتى تتزوج، وتمارس الخطأ نفسه مع ابنتها. «عيب يا بنت» هى الجملة اللحنية الخالدة التى تعزفها أوركسترا الأسرة المصرية عند سماعها لأى سؤال مشروع عن مظاهر البلوغ عند الفتاة خاصة، والبنت مظلومة لأن بلوغها له صورة دراماتيكية وسريعة وحاسمة ومباغتة، أما الولد فمظاهر بلوغه تتم على مهل وبدون ضجة وبصورة تخلو من بقع الدم التى تلطخ لوحة المراهقة، فالولد يخطو إلى عتبات المراهقة بصوت أجش وشعيرات تنبت فى الذقن وتكوين عضلى مميز، أما البنت فهى تطرق باب المراهقة بدقات الصراخ، وتدلف إلى عالمه على بساط من الدماء، ولذلك يجب على كل أم أن تأخذ بيد ابنتها كى تدخل إلى هذا العالم بهدوء ورباطة جأش وثقة، بل والأهم بفرح حقيقى، ويجب عليها ألا تخجل أو تناور أو تهرب، وعلى كل أم أن تعرف وتتأكد من أن المسكوت عنه ليس معناه أنه ليس مهماً بل فى أغلب الأحيان يكون المسكوت عنه بالغ الأهمية، وإهماله وتجاهله و«طناشه» ليس هو الحل، ويجب أن تتدرب الأمهات على هذه المهمة، كيف تتحدث مع طفلتها عن الدورة الشهرية؟، وما يجب أن يقال، وما يجب ألا يقال. توقيت الحديث عن الدورة الشهرية قضية بالغة الأهمية، فمعظم الفتيات تداهمهن الدورة فى سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، وأحياناً تبدأ فى التاسعة وأحياناً أخرى بعد الخامسة عشرة، وانتظار حدوثها حتى تبدئى حديثك مع ابنتك انتظار بلا طائل وتوقيت متأخر جداً، ولذلك ينصح أحد أخصائيى البلوغ وهو ريتشارد ليفين بأن سن العاشرة هو سن مناسب جداً للحديث مع طفلتك عن الدورة الشهرية، وحتى من منطلق الخوف على البنت وليس من منطلق المعرفة فقط يوجد سبب آخر للحديث عن الدورة الشهرية قبل وقوعها، فالفتاة من الممكن أن تكون ناشطة جنسياً وقابلة للحمل حتى قبل الدورة!، فأحياناً وقبل الدورة الشهرية العادية الملحوظة مباشرة يكون عند الفتاة التبويض القابل للتحول إلى حمل كامل، وعلى الأم أن تعرف أن البلوغ عملية ديناميكية مستمرة وليست وظيفة مؤقتة وليس للبلوغ توقيت محدد بالثانية قبله طفولة وبعده شباب، ومن الممكن لهذا السبب أن يكون فى الفصل الدراسى الواحد الذى يضم نفس المرحلة العمرية بنت قد دخلت مرحلة البلوغ وأخرى ما زالت تتعثر وأخرى لم تدخل بعد. لأن الدورة الشهرية من التابوهات المرعبة فى حياتنا فقد اخترعنا لها أسماء عجيبة وطرقاً غريبة ولغة معقدة فى التعبير عنها، فتارة نعطيها الحرف الرمزى للمجهول «X»، وتارة تنطقها النساء بالإنجليزية PERIOD خجلاً، وكأنها عار أو مصيبة، كنوع من الكوارث الطبيعية التى تسقط فوق رؤوسنا، ولكن ماذا يقال عن الدورة الشهرية وكيف يقال؟، إن الصورة الطبيعية وغير المفتعلة للحديث عنها هو ألا تعطى محاضرة أكاديمية مفصلة عنها بل اجعليها تتسلل إلى حديثك بصورة مجزأة ومتناثرة وعلى فترات، وعليكِ بداية كأم استغلال أن الأطفال عندهم فضول دائم للسؤال عن أجسادهم وتغيراتها، وهنا يجب ألا تعلنى عن تذمرك وضيقك من هذه الأسئلة حتى ولو كانت تافهة من وجهة نظرك، فهى وإن كانت تحمل قدراً من السذاجة فى مفهومك فإنها من الأهمية عند طفلتك بمكان أنها تعتبرها شيئاً أساسياً وحيوياً ومثيراً للفضول والتساؤل وضاغطاً بشدة على أعصابها وتفكيرها، ويجب عليك احترام هذا الفضول، وحتى لو أحسستِ كأم أن ابنتك تخجل من الكلام فعليكِ بكسر الجليد واصطياد طرف الحديث حتى ولو كان مستمداً من إعلانات عن «الفوط الصحية» التى تملأ شاشات التليفزيون حالياً!!، ولو حدث وتكلمت عرضاً عن الدورة اسأليها عن معلوماتها عن الموضوع حتى تعرفى مخزونها المعرفى. من المهم جداً أن نتحدث عن هذا الأمر بفرح حقيقى ونستقبله على أنه حدث جميل فى حياة البنت وليس على أنه مأساة عصيبة، وأن ننقل هذا الإحساس للبنت ونحن نتحدث عن الدورة، لا بد من القول بأنها أمر طبيعى وجزء مكمل للأنوثة وببساطة من غيرها «مش حنبقى أمهات»، لا بد من أن تعرف البنت أن بطانة رحمها تمتلئ بالدم للتهيؤ لتغذية البويضة التى إذا لم تخصّب ستنفصل وتسقط هذه البطانة المليئة بالدم وتحدث الدورة، وبالطبع تساهم المدرسة وحظائر الدواجن التى من المفروض أن توجد فى كل مدرسة فى تعميق هذا الإحساس وهذه المعرفة وأيضاًً بالإضافة إلى ذلك مدرّسة فاهمة وواعية!، وبالطبع لا بد أن تعرف البنت أن هناك بعض التقلصات المصاحبة لهذه العملية والتى يصحبها بعض الألم الخفيف. على الأم أن تستعد لكل الأسئلة التى تتكرر من البنت بعد حديثها الصريح الأمين أو بالأصح أحاديثها الصريحة الأمينة عن الدورة الشهرية، وهذه الأسئلة على سبيل المثال.. هل البنت يا ماما هى اللى عندها دورة وإشمعنى الولد ماعندوش؟ والإجابة هى أن الولد «بيكبر ويبلغ بس بطريقة تانية ومختلفة»، وهل الدورة ستظل عندى طول العمر؟، والإجابة أنها تتوقف ما بين الخامسة والأربعين والخمسين، أما ما هى مدتها وكميتها؟ فالإجابة من ثلاثة أيام لأسبوع والكمية تختلف من بنت إلى أخرى، وعلى الأم أن تعلّم ابنتها كيفية التعامل الصحى مع الدورة الشهرية عبر المتوافر ليس فى الأجزاخانات فقط ولكنه صار الآن فى محلات البقالة أيضاًً!!!، وعلى الأم أن تفهّم ابنتها أن هذه الفوط الصحية لن تعوقها عن أداء أى نشاط حتى الرياضة، وذلك لكى لا تحس البنت أنها معوقة لمدة ثلاثة أيام أو أكثر بسبب هذه الدورة، أما سؤال المغص والتقلصات فإجابته أنها شىء طبيعى تضيع بحمام ساخن أو بمسكن بسيط أو بممارسة بعض الرياضة وتناول غذاء متوازن. لا يمكن أن تتخلص البنت من عقدة الدورة الشهرية بدون أن تتخلص الأم قبلها من هذه العقدة!، فالأم للأسف تسيطر عليها عقدة الاشمئزاز من الدورة الشهرية وتتجنب الخوض فى الحديث عنها، وإذا تحدثت فهى بالإشارة، وهى أيضاًً معذورة لأن تراثنا يتعامل مع الحائض بريبة ويتعمد تجنبها، ولذلك تحولت من شىء طبيعى لشىء مشين ومخجل ولا أبالغ حين أقول «مقرف»!!، وهذا خطأ بالغ وشديد الخطورة ويبث الخوف فى قلب البنت ويفقدها الثقة فى نفسها ويشعرها بالدونية، وهذه هى بعض النصائح السريعة للتخلص من هذا الإحساس ومساعدة ابنتك فى عبور هذه الأزمة العارضة: ■ اعرفى وأتقنى مادتك أولاً، فللأسف كثير من الأمهات لا يعرفن ما هو ميكانيزم الدورة الشهرية، هن لا يعرفن إلا نزع أوراق النتيجة كل ثمانية وعشرين يوماً، أما كيف تحدث؟ وما سبب نزول الدم؟، وما الإيقاع الهرمونى الذى يتحكم فى ذلك؟ وكيفية ضبط الألم وعلاج أعراض ما قبل الطمث، كل هذه طلاسم لا تعرفها حتى الأم المثقفة للأسف. ■ افتحى قنوات اتصال بينك وبين ابنتك، وعرّفيها أن الدورة هى إشارات من جسمها لاكتمال أنوثتها. ■ انظرى للدورة الشهرية من الناحية العاطفية وليس من الناحية البيولوجية والفيزيقية فقط، فموجة المزاج العاطفى التى تهبط وتعلو أثناء هذه الدورة لا بد من أخذها فى الاعتبار. ■ اخلعى وانزعى قناعاتك السابقة عن الدورة الشهرية، وتدربى على الحديث عنها مع صديقاتك أولاً، فليس معنى معرفة شىء أنكِ تجيدين التعبير عنه. ■ راجعى وغيّرى الإطار الذى وضعتِ فيه مفهومك السلبى السابق عن الدورة الشهرية، وضعيه فى إطار إيجابى جديد، فعدم الراحة والخجل والرهبة عند الحديث عنها سينتقل بالتالى إلى ابنتك، لا بد أن تتخلصى من أشواكك أولاً وحشائشك الضارة حتى تستطيعى بذر أفكارك الجديدة. ■ اسألى نفسك وأجيبى بصدق: هل هذا الحادث يمثل لك وجع قلب أم فرحة؟، وهل أنتِ سعيدة لأن خرّاط البنات قد نجح فى مهمته السحرية؟، أم أن المسألة تعب فى تعب؟!!. ■ أرسلى معلومتك واضحة ومختصرة، ولاتحاولى أن تلتفى حول الحقيقة، فأقصر الطرق هو الخط المستقيم. اعرفى أنها مهمة صعبة ولكنها تستحق، فأن تخلقى ابنتك واثقة من نفسها، تتباهى بأنوثتها ولا تخجل منها، تقول بصوت عالٍ «لو لم أكن امرأة لوددت أن أكون امرأة»، ترى نفسها مدعاة للفخر وليس للاشمئزاز، ثقى أيتها الأم أنها تستحق المغامرة، وصدّقينى لن تندمى.