من أعقد الأمور ظهور كاتب له مصداقية عند القراء، يتجاوز الأمر نمو الكائن الحى، إذ يمكن تحديد المراحل التى يمر بها الإنسان سواء من الناحية البيولوجية أو النفسية، لكن استمرارية الكاتب ورسوخه من الأمور شديدة التعقيد وترتبط بمواقفه وتكوينه وإيقاعه النفسى والفكرى، ومن الأمور التى تعانيها مهنة الصحافة خلال العام الأخير ظهور عدد كبير من الكتاب فى الصحف الوصيفة، كل مؤهلاتهم الانتماء إلى حزب الحرية والعدالة، أو الانتساب لفترة إلى مؤسسة تابعة للجماعة، المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية أصبح كاتباً كبيراً بالمساحة فى أعرق الصحف، تطل علينا صورته المهمومة شأن كبار المفكرين بميل يحاكى فيه وضع صورة الشاعر الكبير أحمد شوقى الذى تسبب فى انتشار هذا الوضع الذى يحاكيه فيه كل من هب ودب، أعنى إسناد الرأس إلى راحة الكف والاتجاه بالنظر إلى حيث لا يمكن التحديد، يحتل ياسر على مساحة كبيرة فى نفس الوقت الذى تم فيه إقصاء أكبر شاعر عربى معاصر من كتابة مقاله الأسبوعى الذى اضطر إلى الهجرة به إلى «المصرى اليوم»، الحجج فى الإقصاء عديدة؛ منها بلوغ السن، وقد تم إخراج عدد كبير من ألمع الصحفيين بمجرد وصولهم إلى سن الستين، رغم أن الجمعية العمومية للصحفيين اتخذت قراراً باستمرار خدمة الصحفيين إلى سن الخامسة والستين، وتلك مشكلة أرجو أن يوليها النقيب المحترم، ضياء رشوان، عنايته، خاصة أن ثمة عملية انتقائية جرت، أى أن الأمر لم يتم وفقاً لقواعد محددة، مشكلة تيار الإخوان وفصائل الإسلام السياسى أنها لم تفرز مبدعين كباراً نتيجة التربية الفاشية داخل تلك التنظيمات التى تقتل كل ملكة إبداعية وتحول البشر إلى آلات صماء، لم يكن الأمر فيه إقصاء والدليل أن بعض الكتاب المنتمين إلى هذا التيار ومعظمهم من المتحولين، أى كانوا ينتمون إلى تيارات أكثر انفتاحاً وتكونوا بالفعل قبل التحاقهم، لكل أسبابه، بتيار الإسلام السياسى، هؤلاء كان لهم وجود لأنهم كتّاب بالفعل جرى نموهم الطبيعى وحققوا وجودهم من خلال شروط الكتابة ذاتها وليس بقوة السلطة، السلطة مهما كانت لا يمكن أن تفرض كاتباً على القراء، من بين ثنايا الكتابة تفوح رائحة التحول والتقلب والحقد والرغبة فى الحضور بدون مقومات وكل هذا يبدو فى ثنايا الكتابة، الممارسة عملية ترشيح وانتخاب مستمرة، لقد ؟؟؟؟؟؟ بعض الصحف القومية بكتّاب أطلوا علينا، بعضهم ملتحٍ، وبعضهم من ضيوف برامج التوك شو التى تحرص على حضور المنتمى إلى التيار المسيطر لتحقيق التوازن وضمان السلامة، فى الصورة المرئية يمكن تحمل ضيف غير مرغوب فيه، خاصة أولئك الذين يتقنون فنون المراوغة والإجابة عن السؤال بطرح عشرة أسئلة، يمكن تجاهله فى إطار وجود آخرين، ولكن فى الكتابة لا يمكن لقوة مهما بلغ شأنها أن تجبر قارئاً على إتمام مقال، عندما تولى الأستاذ محمد حسنين هيكل «الأهرام» لم يستكتب إلا كاتب عمود واحداً فقط وهو الأستاذ أحمد بهاء الدين، الآن ينشر فى الصحف المصرية بكل اتجاهاتها صباح كل يوم حوالى ألف ومائتى عمود، أصبح كتاب الأعمدة أكثر من الصحفيين المحترفين، ولن يكتمل الكاتب الحقيقى إلا من خلال ؟؟؟؟؟؟؟ حرب لا قهر فيه ولا إجبار على السمع والطاعة. من الطبيعى أن نطالع هؤلاء فى صحف الحرية والعدالة، أما محاولة فرضهم بالقوة على المنابر العريقة التى من المفروض أن تتسع للجميع وللأفضل من أصحاب المواهب الحقيقية فهذا هو المستحيل عينه.