إن ما يميز أى لعبة عن الأخرى هو القواعد والقوانين، وأى لعبة نمارسها نخضع لقوانينها ولوائحها وندركها جيداً، وهو ما يجعلنا نعرف جيداً الفرق بين هذه اللعبة وتلك، ونتأكد من خلالها أننا من نلعب، فإذا أمعنّا النظر فى لعبة كرة القدم وقوانينها نجد أنها لعبة محكمة من حيث القوانين، وأن قواعد اللعبة تدعو كل واحدة منها إلى الحفاظ على سلامة اللاعبين، والحفاظ عليهم من أى أذى فى الملعب، فشملت قواعد اللعبة الأساسية، الضربة الحرة، ورمية التماس، والكارت الأصفر والأحمر، للحد من العنف أو الخروج عن قاعدة اللعب النظيف، واستُكملت القواعد بوضع أساليب وعناصر للمتعة والتشوُّق والاستمتاع، مثل التسلل وغيره، والملخص هو التأكد التام من أن كل القواعد تحافظ على اللاعبين والجماهير وكل أفراد المنظومة. فلا نستغرب تماماً إذا سمح القانون بإقامة مباراة دون وجود شباك فى المرمى، أو تحديد لخطوط منطقة الجزاء، فهى أمور تقديرية للحكم، وحتى إذا قل فريق عن العدد المحدّد، وهو 11 لاعباً يجوز له خوض المباراة، والحالة الوحيدة التى تمنعنا من بدء «اللعبة» هو غياب الحَكَم، فإذا غاب الحكم المشرع والمطبق للقانون لا توجد مباراة، لأنها تبدأ وتنتهى بصافرة منه، وبدون قضاة الملاعب لا توجد ألعاب ولا حتى مباريات، ولكننا فوجئنا فى الآونة الأخيرة ب«لعبة جديدة» قواعدها غير معلومة. فى اللعبة الجديدة عدد اللاعبين غير محدّد، ووقت المباراة مفتوح، ولا توجد جماهير فى المدرجات، الكل يلعب، ولا تستطيع أن تفرّق فى اللعبة الجديدة بين اللاعب والمدير الفنى والجماهير، الكل يلعب فى الملعب بدون قواعد، فهناك فريق يستفيد من أهداف من تسللات واضحة، وآخر يحقق «أهدافاً» بالقوة، مستغلاً غياب «الحَكَم»، الذى غابت معه الإنذارات الحمراء، ولا يوجد طرد لأى لاعب حتى لو ارتكب أبشع الجرائم. وعلى الرغم أن هذه المباريات مذاعة تليفزيونياً ونراها يومياً، ونشاهد بها هدافين ولاعبين وجماهير، بعضهم يخطئ وبعضهم يصيب، لكننا أصبحنا لا ندرك أى الأهداف التى نصفق لها ونهتف «جوووووووووول» وأى الفرص التى نبكى على ضياعها، ولا من نحاسب على الخسائر التى نتعرّض لها وإضاعة الأهداف السهلة. إن اللعبة الجديدة تعتمد على القوة والحشد، على اعتبار أن الملعب أمام الجميع، ومن يجد فى نفسه صفات اللعبة، فلينزل ويحاول ويحشد ويستعرض قوته ويلعب بكل الطرق لإحراز هدف فى مباراة مهما كانت نتيجتها فهى غير معتَمدة، ومهما كانت إثارتها فهى زائفة، ومهما طال وقتها فهى منتهية، ومهما لعبناها ستبكينا دائماً. هل عرفتم تلك اللعبة؟ هل سنواصل اللعب؟ هل اكتفينا؟ هل نستمر؟ الإجابة لديكم فأنتم من تلعبون اللعبة الجديدة، وأنتم من رفضتم التحصُّن بقواعد اللعبة المعتمدة، وأنتم من تحبون اللعب دون قواعد ودون حَكَم، فى ملعب به كل شىء مباح فى غياب القانون، والأغرب أن اللعبة نشاهدها جميعاً ونشهد عليها، ودماؤها تلطخنا، ونعجز عن إيقاف مجرياتها، على أمل أن تعود القواعد للعبة ويظهر الحكم بصافرته العادلة، ليشهر كروته الصفراء والحمراء فى وجه كل من خرج عن قواعد اللعبة ويعيد ل«الملعب» الكبير هيبة القانون والدستور. هذا «الحكم» الذى جاء بما يُعرف بالصندوق الانتخابى لم نتوقّع منه أن يشاهد المباراة مثلنا من أمام شاشات التليفزيون، توقعنا منه أن يغير قواعد اللعبة وأن يعيد للملاعب احترامها وقُدسيتها وأن يحقن دماء اللاعبين، لكنه ما زال يستمتع هو وجمهوره الخاص بقواعد لعبة لا نفهمها وهو أيضا لا يفهمها، ولكننى أفهم جيداً أننا لا نلعب، وهناك من يلعب بنا، ويضحك علينا ويستمتع باللعبة، ويقينى أنه واهم، لأنه يلعب دون خبرة، فإذا كان من سبقه، من امتلك خبرة طويلة من اللعب غير النظيف امتدت لثلاثين عاماً خرج من اللعبة لأنه فقد قواعدها، فما بالك بمن فرح بها ولا يملك قواعدها؟ فهل يصفر الحكم ويبدأ مباراة جديدة، أم تستمر مباراة الدم حتى تثور الجماهير من جديد وتستبدل «الحكم»؟ لنسمع صافرة جديدة تحمل عنوان «عيش - حرية - عدالة اجتماعية» طبقاً لقواعد اللعب النظيف.