جاءنى فى المنام خنزير فجزعت فلجأت إلى صديقى المعروف بتأويل الأحلام فسألنى بعد أن استعاذ بالله دون أن يطلب منى أية تفاصيل «وهل رقص الخنزير؟» قلت: نعم، وهل حاولت أن تركبه وتمتطيه مثل حصان أو حمار؟ فقلت: لا، وعاود سؤالى: وهل رأيت نفسك خنزيراً؟ قلت: «لا»، فقال: الحمد لله، لقد نجوت، فطلبت تفسيراً لأسئلته، فرد: رؤيتك للخنزير تدل على الشر والنكد والبطر وعلى المال الحرام، ومن رأى أنه صار خنزيراً نال مالاً مع ذل وخنوع، والخنزير أيضاً رجل مؤثر فاسد الدين خبيث المكسب، ومن ركب خنزيراً أصاب سلطاناً ومن رأى أنه يقاتل خنزيراً فإنه يظفر بعدو ظالم، ومن رأى خنازير صغاراً دخلت عليه فى داره أو بيته أتته خدام الحكام والسلاطين فليحذر، ومن رأى أنه طرد الخنازير من داره فإنه يتعفف عن أبواب الحكام والسلاطين.. فاحترت لإجاباته وبدأت فى سرد تفاصيل منامى: رأيته قصيراً (مدملك يعنى)، مع شعر خفيف على وجهه، ووجدته «بيخر دم»، أبسطهالك.. «بيشر دم»، وكان جلده سميكاً (تخين يعنى)، وضربته فلم يشعر أو يتأوه وقذفته بحذاء فابتسم، وصرخت فى وجهه فجاء بإخوانه، فحاولوا ضربى فهتفت باسم «مصر»، فقاطعنى صديقى: ومال مصر بالموضوع ده؟ فنهرته قائلاً: سيبنى يا عم أكمل ده مجرد منام.. اشترى منى وقول اللى عندك فى الآخر، وبعدها رأيت أناساً كثيرين جاء بهم الخنزير وإخوانه، يضربونهم ويعذبونهم ويسحلونهم ويرقصون على دمائهم وكانت الساحة مليئة بالأشواك وفى نهايتها يقف خنزير كبير وجهه مسود ويكز على أسنانه، تنطلق من وجهه طاقة شر وانتقام لم أرَها على وجه مخلوق، كان يشير إلى الجميع بما فيهم «الخنزير المدملك» فيفعلون ما يأمرهم به، وعلى أطراف المشهد وجدت خرافاً وأبقاراً وجاموساً، ولكن لم أتبين ملامحها مع أسوار عالية وضجيج وأصوات تنادى وأنات وصرخات نساء، مشهد فوضوى لم أره فى حياتى.. وعاد صديقى للسؤال: وهل اقتربت من الخنزير المدملك القصير؟، قلت: لا، فرائحته الكريهة ونظراته الزائغة أبعدتنى عنه، فعيناه كانت دائماً تتجهان إلى الزاوية التى يقف فيها الخنزير الكبير، وكأنما ينتظر إشارة منه أو إيماءة، وكانت الخنازير المحيطة به تمتلك عيوناً تشابه عيون آلهة الشر فى الحضارات القديمة، ووسط الأشلاء والدماء كانت هناك سيدة تغزل صوفها وتردد أغنية لم أسمع بها من قبل، عن الأرض والعرض والانتماء والإيثار، وعندها بكيت لما رأيتها تغزل دون جدوى، فكلما غزلت قطعة نقضها وحلها الخنزير الكبير وإخوانه فتعاود الكَرة مرة ومرة، فلم تكن كالحمقاء التى نقضت غزلها من بعد قوة بل كانت صلبة مصممة على ما تريد، فمنحتنى إحساساً بالأمل لأنها لم تُصَب باليأس واستكملت ما بدأته متحدية الخنازير..! الخنازير ما زالت ترقص على الدماء، وعندها استيقظت، فقال صديقى بصوت عالٍ: إنه كابوس ولن أزيد إحباطك وجزعك، فقط أريدك أن تعلم أن الخنازير شرور تمشى على الأرض، دمها موبوء، لا تغار على الإناث، تبحث عن الخبث، تلملم القاذورات، جلودها (تخينة) لا تجد طريقها للدباغة، يا صديقى.. لا تحلم بالخنازير واستعذ بالله منها وتذكر أن الله قلب بنى إسرائيل خنازير، اللهم اكفنا شرها فى الواقع وفى المنامات!!