حينما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1918 أصر الزعيم سعد زغلول على مقابلة المندوب السامى البريطانى على رأس وفد صغير وطالبه بالاستقلال، وتمخضت هذه المواجهة ورغبة الشعب فى الاستقلال إلى اندلاع أول حركه شعبية لجمع توكيلات رسمية موثقة للتأكيد على أن سعد ووفده يمثلون المصريين فى مواجهة المحتل، ومفوضون للسعى للاستقلال بكل الطرق، ولقد كتب الشعب المصرى قصة متفردة فى ذلك التاريخ فى إرادة الحياة والتوحد. ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت مسألة التوكيلات السياسية تقليداً مصرياً خالصاً فى مواجهة الظلم، ولقد كانت توكيلات البرادعى آخر هبات تلك التقاليد على نظام مبارك، الذى كان يصادر كل الرغبات فى التحرر من استبداده، فقد كان يوجه تعليماته لمأموريات الشهر العقارى لعدم تحرير أى توكيلات سياسية على الإطلاق بالرغم من قانونية ومشروعية تلك التوكيلات. ولعلنا مع استيعابنا لأصل الفكرة نستطيع أن نرى توكيلات أهل بورسعيد وغيرها من المحافظات للجيش فى إدارة البلاد وعزل الرئيس، بشكل أكثر عمقاً ووضوحاً. فحينما رأى أهل بورسعيد الإخوان لا يفرقون شيئاً عن المحتل، وبدا ذلك واضحا فى إقصاء كل القوى الوطنية والعمل على دهس الدولاب الإدارى للدولة بأحذية الجماعة - استدعوا توكيلات سعد، وكان الجيش «سعدهم» هذه المرة. كما لا تخلو رمزية تلك التوكيلات من الاعتراف الضمنى بضعف المعارضة وعدم الثقة فيها لمواجهة الإخوان فى لحظة عاصفة! توقفت كثيرا عند عبقرية الرمزية ودلالاتها، وعبقرية الجيش فى رفض تلك التوكيلات، حيث يعد هذا سبقاً تاريخياً وطنياً مصرياً قد يستدعيه قريباً. بالتأكيد أرفض توكيل الجيش بإدارة البلاد بقدر احترامى وإيمانى بوطنية المؤسسة العريقة، حيث إننى أظن أننا نستدعيها فى اللحظة الخطأ وبصورة لا تتسق مع العمل الثورى وتتناقض مع العمل السياسى تماماً، ولكنى أظن أن الشروع فى هذه التوكيلات طوى صفحة ضبابية مؤلمة اكتنفتها الكثير من الشوائب، حينما واجه الجيش الشعب وحينما أوغل فى المحاكمات العسكرية بغير وجه حق. أفخر بأننا قاومنا عسكرة الدولة وأنهينا حكماً ستينى السنوات لأعضاء المؤسسة العسكرية وآخرهم مبارك، وعلينا الآن أن ننتفض للدولة الوطنية التى يكون فيها الجيش على الحدود والدين فى القلوب، ولا يمثل فى جماعات تتردى يوماً بعد الآخر فى إدارة الدولة واحتكار الفضاء السياسى باسم الدين، وعلينا أن نثابر ونعمل على المواجهة وندعم تياراتنا السياسية للوصول لحلول سياسية دون استدعاء لقوى نحتاجها فى مجالات أخرى.