بديهيا، إنه لا شىء فى الحياة بلا ثمن، والذى يدفع لك ينتظر المقابل، وهو يحصل عليه وأكثر، وإلا لن يدفع و«سيجرسك»، ويكون الأمر شخصيا -وأنت حر- أن ترضى لنفسك بالبيع والشراء، لكنه يكون مفزعا ويشكل جريمة خطرة تهدد الأمن القومى للبلاد حين يكون الرجل المعروض فى أسواق «النخاسة السياسية»، هو نفسه المرشح المحتمل ل«وراثة العرش»، هنا لا تفاوض، لأن مستقبل الوطن ومصيره يكون مرهونا للآخرين. قال المرشح الرئاسى السابق الدكتور محمد سليم العوا، أثناء الحملة الانتخابية، وهو قيمة وقامة موثوقة، إن «أموالا أجنبية سخية تدفع لمرشحين ولديه دلائل»، وتزامن ذلك مع أمور لافتة، ، قد تكون غير ذات صلة لكنها تبقى المناخ قلقا، أولها زيارة المرشح الرئاسى الإخوانى محمد مرسى للسفير السعودى فى القاهرة، وتلاها زيارة أخرى من المرشح الرئاسى المحسوب على التيار الإسلامى عبدالمنعم أبوالفتوح أيضا للسفير السعودى، وبُررتا بأنهما للتنسيق فى موضوعات مشتركة، ثم كان لافتا حرص السفير السعودى على التأكيد فى أكثر من مرة ومن مناسبة «إننا نقف على مسافة واحدة من كافة المرشحين»، وهى تطمينات تثير الريبة أكثر مما تبعث على الطمأنينة، وتخلق التباسا أكثر مما توضح، وهى -حسب كثيرين- قريبة الشبه بمن فى «رأسه بطحة»، وعموما قلل منها نائب المرشد العام للإخوان المسلمين الأسبق محمد حبيب، مؤكدا «الواقع شىء آخر»، ومشددا على أن «أنظمة الحكم العربية تريد بقاء الحال على ما كان عليه، وهى على استعداد لبذل الغالى والنفيس من أجل عدم انتقال رياح التغيير إليها»، ناهيك طبعا عن زيارة المبعوث الأمريكى إلى «عمرو موسى». ورغم أن تحسبا من مخاطر تورط دول عربية صديقة فى الانتخابات، كان يفرض علينا التحقيق فى الأمر وإحالته إلى الجهات المختصة، فإن المخاطر والمخاوف تكون «مفزعة»، حين تعرف أن إسرائيل شديدة التحفز والقلق من نتائج الثورة، مدت يدها مباشرة بواسطة رجالها وعملائها الذين تواصلوا مع مرشحين رئاسيين فعليا، حسب ما قال المرشح الرئاسى السابق عمرو موسى بوضوح، من أن «مرشحا ممن يدعون المواقف البطولية الحماسية التقى مؤخرا بمبعوث إسرائيلى» وشدد: «أنا أعرف ما جرى هناك»، وهو كلام خطير لا يمكن أن يمر مرور الكرام، فإما أن «الموساد» يخترق الآن «القصر الرئاسى» ويجند «جاسوسا» بدرجة «رئيس» أو أن عمرو موسى يكذب ويثير البلبلة والغموض والفزع فى الشارع. نعرف أنه ليس معقولا أن تقف إسرائيل مكتوفة الأيدى أمام ذلك الحدث المهم الذى لم تعرفه مصر، وهى ستمد يدها مباشرة عن طريق رجالها، أو بطريق غير مباشر عبر القنوات الأمريكية والأوروبية، وقنوات أخرى يمكن أن يكون بعضها عربيا. لا تقل لى إن هذا الكلام من قبيل «الشائعات الانتخابية»، وأنه «ضربات مشروعة» تحت الحزام بين متنافسين، فالأمر جلل ولا يمكن السكوت عليه، ثم نصحو على كارثة عدم استقلال القرار السياسى. ما زالت مصر، ورغم ما جرى من الرئيس ورغم دعوات تحطيم الفرعون -دولة وشعبا- تتطلع إلى الرئيس بنظرة خاصة، وحين أرسل الله موسى لأهل مصر، أرسله -وهى واقعة فريدة فى تاريخ الرسالات- إلى فرعون. سكوت الأجهزة الأمنية والقضائية جريمة كبرى، والتهاون فى مسألة إعادة إنتاج «دولة المماليك» الموالين للخارج «خيانة»، ونحن هنا أمام عينة صغيرة من روايات يمكن التحقق من صحتها، ويمكن مراجعة أصحابها، وهى روايات «بغيضة» تستوجب تدخل النائب العام وأجهزة الأمن القومى، والتحقيق فى المخاطر المحتملة، وتفرض محاسبة المتورطين فى تلك الجرائم، ومساءلة أصحاب الروايات وهم قامات معروفة، وليسوا بعيدين عنا ولا هم أكبر من الحساب. انتبهوا قبل أن تقع الفأس فى الرأس، فإما أن هناك «رئيس محتمل» قبل من أجل بعض المال أن يعرض نفسه وبلاده فى «أسواق النخاسة»، أو أن هذا الكلام غير صحيح ويستحق أصحابه العقاب. التهاون فى مسائل الأمن القومى «خيانة للوطن» وللتاريخ، والتحقيق لن يكلفنا شيئا، لكنه سوف يجنبنا مخاطر كثيرة.