يحملون سلاحاً آلياً فى يديه ويسيرون به فى وسط شوارع القرية نهاراً، لا يستطيع أحد من أهلها الاعتراض، ابتداءً من عمدتها المستشار السابق، وحتى شباب القرية، لأن المبدأ الذى يتعامل به هؤلاء المجرمون، «طول ما أنت فى حالك مالناش دعوة بيك»، ولذلك يمارسون كل جرائمهم التى تتنوع ما بين الاتجار فى المخدرات أو السلاح، وعمليات السطو المسلح بعلم الجميع، ولا يستطيع أحد الاعتراض. وتتزايد مراكز بيع المخدرات داخل العشش فى الأراضى الزراعية على حدود المحافظة، بينما الزراعات الكثيفة تعوق القبض عليهم. وتقع قرية «أبو نجاح»، فى منطقة حدودية زراعية تربط بين 3 محافظات، أولاها الشرقية التى تتبعها القرية إدارياً وتبعد عن عاصمتها مدينة الزقازيق 30 كليومتراً، ومن الغرب، الدقهلية التى كانت تتبعها القرية حتى سبعينات القرن الماضى، وتبعد عن عاصمتها «المنصورة» 60 كيلومتراً، كما تبعد القرية عن مثلث الرعب، أشهر بؤرة إجرامية فى القليوبية التى تضم «كوم السمن والقشيش والجعافرة» نحو 20 كيلومتراً. موقعها الجغرافى المعزول وسط رقعة زراعية تحاصرها، جعلها مأوى للخارجين على القانون الذين اتسعت شبكتهم وقويت شوكتهم فى ظل أحداث الانفلات الأمنى فى قرية يغيب عنها الأمن، فصارت وكراً لتجارة المخدرات بصورة دفعت الأهالى إلى الشكوى، فأقرب نقطة شرطة تبعد عن القرية 20 كليومتراً، ويحتاج الوصول إليها فى حالة عدم وجود سيارة إلى 4 مواصلات غير آدمية، كما يقول المستشار على حافظ عمدة القرية ونائب رئيس مدينة الزقازيق السابق، مؤكداً أن القرية تعانى من حالة انفلات أمنى خارج عن السيطرة، مضيفاً أن هناك 20 من الخفراء النظاميين المعينين التابعين لوزارة الداخلية، والمكلفين بمتابعة الحالة الأمنية بالقرية يرفضون الخروج فى الخدمات الليلية عندما يطلب منهم استلام سلاحهم للخروج إلى خدمتهم. عزوف سائقى التاكسى وسيارات الأجرة عن الذهاب إلى القرية التى تسبقها شهرتها، كان أكبر دليل على خطورة المنطقة، ويزيد الأمور تعقيداً محاصرة القرية أكثر من 600 فدان من الأراضى الزراعية، ولا بديل للوصول إليها إلا عبر طرق مقطوعة معدومة الخدمات تتخلل هذه الأراضى. الصدفة وحدها أوقعتنا فى سائق تاكسى من أهلها، حيث يقيم فى قرية كفر شلشلمون المجاورة لها ويعمل سائق تاكسى بمدينة الزقازيق، وافق على الذهاب معنا بعد مضاعفة الأجرة، وأتبع موافقته بشرط أنه يوصلنا وليس له علاقة بنا. يشق القرية، مصرف صحى، تنبعث منه روائح كريهة، وعلى جانبيه ترقد أكوام القمامة التى تتجمّع عليها أسراب الذباب، بيوت القرية التى تتنوع ما بين «خرسانية»، وأخرى بالطوب اللبن، تتناثر على أكثر من 50 فداناً هى مساحة الرقعة السكنية داخل القرية، لا تتجاوز مبانيها طابقين أو 3 إلا قليلاً، يقيم فيها 20 ألف نسمة كما قدرهم عمدة القرية، معظمهم بسطاء، رضوا بأن يعيشوا فى مكان لم يجدوا له بديلاً. «المواطنون هنا مغلوب على أمرهم»، كما يقول فوزى على محمد مهندس زراعى بالمعاش، من أهل القرية التى وصفها بأنها معدومة الخدمات، موضحاً أن أهالى القرية لا يجدون وسيلة مواصلات إلا الركوب فى صندوق السيارات الربع نقل المكشوفة أو التوك توك، وكذلك طلاب الجامعة يستقلون 3 مواصلات حتى الوصول إلى كلياتهم بالزقازيق. ويعتبر محمود عبده مدير عام بالتربية والتعليم سابقاً، الكارثة الكبرى فى القرية هى الانفلات الأمنى، مضيفاً: «طول الليل ضرب النار لا يتوقف، ومافيش حد يقدر يتكلم، كما أن البلطجية وعصابات الإجرام تستغل المناطق الزراعية لممارسة أعمالها الإجرامية، خصوصاً المزارع الكبيرة، التى أصبحت مأوى لهؤلاء المجرمين فى ظلمة الليل». يلتقط طرف الحديث على حافظ عمدة القرية، قائلاً «هذا موضوع قديم، وقسم الشرطة ومديرية الأمن يعلمان ذلك جيداً، والمشكلة هنا أنه أثناء مطاردة هذه العصابات لا يجدون أى صعوبة للهروب داخل حدود المحافظة الأخرى، فالأمر لا يستغرق غير بضع دقائق، ولا تستطيع قوات الشرطة الدخول وراءهم فى منطقة خارج نطاق خدماتهم، وهذا كان يحدث قبل الثورة، فماذا تتوقع أن يكون الوضع الآن». ويقول سيد على أحد شباب القرية: «البلطجية وتجار المخدرات والسلاح هم أصحاب الكلمة العليا ويفعلون ما يشاءون، ففى إحدى المرات سرق هؤلاء مليون جنيه وربع من سيارة مكتب البريد التى كانت تحمل مرتبات المعاشات لنقلها إلى مكتب بريد شبنالة، ولم يجر القبض على اللصوص حتى الآن، وما زالوا أحراراً يمارسون نشاطهم الإجرامى، واكتفت الشرطة بحماية سيارة مكتب البريد أثناء نقلها للمرتبات كل شهر». ويرى شباب القرية أن الإهمال هو الذى حولها إلى منطقة لتجارة السلاح والمخدرات. ويؤكد محمد رضا أن مبنى مركز الشباب الإدارى مغلق منذ أكثر من 10 سنوات، ولم يلحق به ملعب لكرة القدم حتى الآن، وجرى بناء مجمع خدمات مكون من 5 طوابق لا يعمل دون أى أسباب تُذكر، كما أن القرية تخلو من أى وحدة صحية، وأقرب مستشفى لها يبعد عنها 8 كيلومترات فى مدينة مينا القمح».