«صلّحن جزمات.. لمّعن حذاءات.. إنه».. لعلك تذكر هذا الحوار اللطيف الذى جرى على لسان الفنان الراحل «سلامة إلياس» فى فيلم «سفاح النساء» ل«فؤاد المهندس»، وكان «إلياس»، واسمه فى الفيلم «كابتن سافو»، يعمل مخبراً سرياً، تم جلبه خصيصاً من الخارج، لاكتشاف سفاح النساء الذى دأب على اختطاف وقتل الجميلات. وفى سعيه لمراقبة السفاح تنكر «كابتن سافو» فى هيئة «جزمجى» يحمل صندوقاً يضم كل ألوان وأنواع الورنيش والصبغات لتلميع «الأحذية»، حتى يستطيع مراقبة السفاح. ويعمل بعض مقدمى البرامج ومديرى الحوارات التليفزيونية، بنفس منطق «الكابتن سافو» فى ورنشة وتلميع بعض الوجوه الباهتة، ولأن الوجوه التى يريدون تلميعها شديدة «العكارة»، فإنهم يلجأون إلى استخدام «الصبغات» عمّال على بطّال، ويلطخون بالورنيش مرتفعاتها ومنخفضاتها حتى تظهر لها أية تضاريس، ويتحول الوجه الباهت -بسبب ضعف القدرة وسوء النحتة- إلى ما يشبه وجه البلياتشو الملطخ بأوقيات من الأصباغ والورنيش، فتكون النتيجة ارتفاع ضحكات الناس، خصوصاً عندما يبدأ هذا البلياتشو فى اللعب على الأحبال دون سابق خبرة، فيبدأ فى الاهتزاز ثم الترنح ثم السقوط، ليصطك وجهه بالأرض، فينقل من طينها وأوساخها المزيد من «الصبغات الطبيعية»، ليصبح وجهه وسيلة لإضحاك الحزانى والثكالى والموجوعين!. الإعلامى التليفزيونى الشاطر، يختار من يحاوره، ويأبى أن يختاره محاوره. وأفشل أنواع الحوارات فى الدنيا هى تلك الحوارات التى يختار فيها الضيف الإعلامى الذى يحاوره، لأن الاختيار هنا يعنى أمراً واحداً، هو: «أنا اخترتك عشان تلمعنى وتورنشنى وتنجمنى». والإعلامى الذى يرضى على نفسه ذلك لا يختلف كثيراً عن «كابتن سافو» فى فيلم سفاح النساء. «... إنه» يثير ضحك المشاهد بعد أن تحول من ممارسة مهنته الأساسية: «المخبر السرى»، إلى وظيفة «الجزمجى»، ولأن من طلبه بالاسم يعامله على هذا النحو، فلا مانع من استدعائه بعد الانتهاء من عملية التلميع، ليعيد ورنشة أجزاء معينة من «الحذاء»، لأنها لم تأخذ «ورنيش كفاية»، أو إشباع جزء آخر «دعكاً» ب«الفوطة» حتى تلمع، لأن صاحب «الحذاء» أو المسئول عنه يرى أن هذه «الحتة مطفية شوية وتحتاج المزيد من الدعك» حتى تلمع أكثر، وقد لا يكتفى الكابتن «سافو» ب«الدعك»، فيتطوع بوضع بعض الصبغات من عندياته، حتى يبدو الحذاء لامعاً فى أعين الناظرين، لكنه ينسى دائماً أن الشىء إذا زاد على حده انقلب إلى ضده، وبدلاً من أن يبدو الوجه لامعاً أمام المشاهدين، يظهر «ملطخاً» بشكل يثير السخرية والاشمئزاز، وبدلاً من أن يقوم «سافو» بمهمته فى أن «يغسل أكثر بياضاً» نجده يضيف المزيد من «البقع» إلى الوجه «المبقع» أصلاً، ليتحول الأمر فى النهاية إلى نوع من المسخرة التى يليق عرضها على المشاهدين بعد أنصاص الليالى!.