لم تكن مفاجأة أن ينتصر الجيش المصرى فى مناورة الحرب النفسية الداخلية مع الإخوان الأسبوع الماضى، التى حسمها جنرالات الاستراتيجية والتكتيك من اللحظة الأولى باحترافية معهودة.. ولم يكن الانتصار فقط فى إظهار أهل الحكم فى موقع التراجع المعتاد وإجبارهم على الانسحاب من مواقع كانوا يطمعون فى وضع موطئ أقدامهم عليها، بل تجاوز الأمر إلى استعادة الجيش لمساحات شاسعة فى المشهد الداخلى فشل النظام السياسى والمعارضة أيضاً فى بسط سيطرتهما عليها وهى «أرض الثقة» التى تعانى من فراغ واضح داخل الشارع المصرى طيلة الأشهر القليلة الماضية، والتى بسط الجيش حضوره عليها بيسر، وبنى على الفور نقاطه الحصينة التى من المستحيل أن يتمكن أحد من اختراقها، ليدشن قواعد جديدة للوضع فى مصر عنوانها أن لمصر جيشا لن يفرط فيها. وليس من باب المبالغة إذا قلنا إن الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة أصبح الرجل الأول فى الشعبية داخل كل بيت مصرى.. هذه البيوت التى تتعامل مع جيشها على أنه المعادل الحسابى للأمان المفقود ومحراب الوطنية الصادقة والخلاص فى لحظة الانهيار. وعلى مدار الأسابيع الماضية كانت القوات المسلحة تحرص على بث رسائل الاطمئنان فى نفوس المصريين، تلقاها الجاهل بأنه مطمع منهم فى الحكم، بينما أدركها العالم بأصول العقيدة الدفاعية للمؤسسة العسكرية المصرية أنها تضع الحالة المعنوية للشعب فى سدة أولويات إعداد الدولة للدفاع تجاه أى عدوان أو خطر. وفى أكاديمية ناصر العسكرية تعلمنا على يد جنرالات حرب أكتوبر كيف بدأ الإعداد للعبور العظيم بعد أيام من نكسة يونيو، وكانت نقطة البداية إعداد الشعب للمعركة وانتشال معنوياته من الإحباط واستعادة ثقته سريعا فى قواته المسلحة، تلك الثقة التى عجلت بقرار الراحل العظيم خالد الذكر «جمال عبدالناصر» بخوض حرب الاستنزاف، وعجلت بعد ذلك بقرار شهيد الحرب والسلام البطل «أنور السادات» باتخاذ أهم قرار فى تاريخ مصر الحديث بالدخول فى معركة التحرير واستعادة الأرض، تلك المعركة التى سيظل اسم الرئيس السابق حسنى مبارك مسجلا فيها بحروف من نور فى صفحات التاريخ العسكرى المصرى، بصرف النظر عن نهايته السياسية التى سيحكم عليها التاريخ بعد سنوات طويلة. وإذا كانت عودة الجيش مره أخرى فى المشهد الداخلى متنفسا من الأمل لدى قطاع عريض من الشارع.. فإن هذا الأمر يمثل «بعبعاً» للقوى الحاكمة والقوى التى تعارضها أيضاً.. لذا لا تستغرب فى الأيام القليلة القادمة إذا اتحد الخصوم فى خندق واحد لمواجهة عودة الجيش.. ووجدت أخبارا تتحدث عن لم الشمل بين الإنقاذ والإخوان، وأن تتحول جبهة الضمير إلى اسم جديد وهو جبهة المصير مثلا.. لمواجهة عودة الجيش، ولا تستغرب إذا وجدت بعض القوى تحرك شبابها أمام وزارة الدفاع ويحركون حلفاءهم الدوليين لمساندتهم لإبعاد الجيش.. كل هذا سيحدث أو بالفعل بدأ يحدث.. ولكننا ندرك ما لا يدركونه.. وهو أن قواتنا المسلحة قادرة.. وأنها الحقيقة الوحيدة فى بحر من الأكاذيب.. وأنها النص المقدس وهم التحريف.. وأنها الواقع وهم التخريف.. وأنها الوضوح وهم الظلام والعمل السرى. سيهاجمنى البعض.. حسنا.. ويرفض كلامى.. حسنا.. سيقول إننى أستدعى الحكم العسكرى مرة أخرى الذى قامت الثورة للقضاء عليه.. ولهؤلاء أقول عند انهيار الدولة على السفهاء أن يخرسوا وعند ضياع مصر على المغامرين أن يخجلوا مما اقترفوه من ذنوب فى حق الوطن.