سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
++أسرة «بلعيد» ل«الوطن»: مسئولون كبار فى «الداخلية» حذروا «شكرى» أنه على رأس قائمة ال 100 قبل اغتياله «الغنوشى» والإخوان تورطوا فى قتله.. والرئيس علم بالمخطط واكتفى بتحذيره
فى منزل بسيط بأطراف العاصمة تونس، تعيش أسرة المحامى والسياسى اليسارى الشهير، فى حى جبل الجلود، الذى اكتست شوارعه بصوره، فى كل زاوية من الحى الشعبى، وعلى باب منزل الأسرة وضع رفاقه لافتة كبيرة عليها صورة الشهيد شكرى بلعيد، الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد، أحد مؤسسى تيار الجبهة الشعبية المعارضة لحكومة النضهة، والابن الثالث بين ستة أبناء لأسرة تونسية بسيطة الحال، والذى جاء اغتياله ليفتح أبواب الثورة على تونس من جديد. فى منزل أسرته كان الحزن يكسو وجه شقيقته نجاة وشقيقه الأكبر ورفيقه عبدالمجيد، بينما تطل الحيرة من أعينهم حول مصير القاتل، الذى يشكّون فى أن تحقيقات تونسية يمكن أن تظهره. اتهمت أسرة بلعيد راشد الغنوشى زعيم حزب النهضة ومنصف المرزوقى الرئيس التونسى بالتواطؤ، فى قضية القتل، وطالبوا بتحقيق دولى يكشف ألغاز الاغتيال، بعدما فقدوا الثقة فيما ستسفر عنه التحقيقات التونسية. صمتت نجاة بلعيد لحظات، لتستجمع قوتها، عندما سألتها عن حادث اغتيال شكرى، ثم قالت: عندما تلقيت الخبر لم أصدقه فى البداية، أو ربما عقلى رفض تصديقه، ثم عشت كل هذا الألم بكل تفاصيله. * جنازة بلعيد كانت حاشدة هل كنت تتوقعون هذا العدد الضخم من المشيعين الغاضبين لمقتله؟ - طبعاً كان مفاجئاً بالنسبة لنا، لكن الذى أثر فينا أكثر، هو يوم الوفاة نفسه، عندما أخرجناه من المستشفى كان يجب أن يذهب إلى مصلحة التشريح، ولكننا فوجئنا بآلاف يحيطون بنا ويجبرون السيارة، التى تحمل جثمانه على التوجه إلى شارع الحبيب بورقيبة شارع الثورة للطواف بجثمانه هناك، وبالفعل أُجبرت السيارة على التحرك إلى هناك. * هل كنتم تعرفون أنه تلقى تهديدات بالقتل وأنه على رأس قائمة اغتيالات؟ - نعم كنا نعرف وهو تلقى أكثر من مرة تهديدات، ومشكلته أنه كان جريئاً جداً ولا يخاف، ورفض أى تراجع أو نصيحة بالتهدئة خاصة فى تصريحاته الساخنة ضد حزب النهضة، كان يعرف أنه سيموت لكنه لم يتراجع، لم نستطع أن نفعل أى شىء سوى أن يرافقه شقيقه طوال الوقت لحمايته. * من أين جاءت تلك التهديدات؟ - جاءت من المتشددين الدينيين من حركة النهضة لأنه كان يهاجمهم باستمرار وكشفهم وعرّاهم أكثر من مرة. * كيف تعامل هو مع فكرة التهديدات؟ - كانت عنده شجاعة غريبة وإصرار من داخله، قال لنا لا أخاف ولا يجب أن أخاف وظل يمارس حياته الطبيعية كما هى، وهى عادته طول عمره، كان كتلة من الذكاء، كان قارئاً جيداً ويملك قدراً هائلاً من المعلومات وشجاعة نادرة، عندما زادت التهديدات حذره أبى وقال له «يجب أن تخاف على بناتك» رد عليه شكرى قائلاً «بناتى لهن ربهم وإذا كان كل واحد يخاف يصمت فمن ذا يدافع عن تونس» * لماذا لم يبلغ الشرطة بهذه التهديدات التى جاءته؟ ولماذا لم يطالب بحماية شرطية؟ - تدخل عبدالمجيد شقيقه الأكبر ومرافقه الشخصى قائلاً: لم يكن مقتنعاً أن الشرطة التى تحكمها وزارة الداخلية التابعة لحزب النهضة يمكن أن تحميه، والوزارة كانت على علم أنه مهدد، ووسائل الإعلام ذكرت قصة رسائل التهديد التى وصلته، لكنهم لم يتحركوا حتى عندما تحرش به بعضهم وحاولوا الاعتداء عليه ولكن وجود الكثير من رفاقه بالحزب معه وقتها منع وقوع أى اعتداء عليه. * هل كان يعرف من صاحب التهديدات تحديداً؟ - قال عبدالمجيد: أشخاص لم يكن يعرفهم لكنه كان يثق فى الجهة التى تقف وراء تلك التهديدات وهى حركة النهضة. * لماذا شك فى النهضة ولم يشك فى السلفيين رغم أن كل أعمال العنف تنسب للسلفيين؟ - النهضة تقف وراء كل شىء، والشيخ راشد الغنوشى كان من السلفيين ويفتخر بهم، وقال إنه يفتخر بشباب السلفيين، ولا تصدق أنهم غير مرتبطين. * كنت مرافقاً لشقيقك هل شاهدت رسائل التهديد التى كان يتلقاها؟ - لا، كانت له علاقات واسعة جداً وكان محبوباً للغاية وكانت تصله شخصياً تحذيرات من مسئولين كبار بوزارة الداخلية حتى رئيس الجمهورية نفسه كلمه وحذره من تعرضه للاغتيال. * إذن حذره رئيس الجمهورية بنفسه.. لماذا لم يتحرك أحد لحمايته ورئيس الجمهورية غير منتمٍ لحركة النهضة؟ - رئيس الجمهورية متواطئ فى قتل أخى، فهو كان على علم بوجود نية لمجهولين باغتيال شقيقى ولم يتحرك. فقط اكتفى بأن حذره، أقول لك أكثر من ذلك، أن شكرى وصلته معلومات دقيقة عن استعداد مجهولين لتصفيته وأنهم وصلوا للمراحل الأخيرة للتنفيذ فأبلغ نقيب المحامين الذى أعد بدوره مذكرة بهذه المعلومات وقدمها لوزير الداخلية، وبعد فترة اتصل وزير الداخلية بنقيب المحامين وأبلغه أنهم بعد التحريات لم يتوصلوا لأى شىء، وقال: اطمئنوا لا يوجد أى خطر، رغم أن الجميع كان يعلم ويرى الخطر بنفسه، لذا أقول إن وزير الداخلية متورط فى اغتيال شكرى وهو تابع لحزب النهضة الذين أتهمهم والحكومة كلها بالتورط والتواطؤ فى قتل أخى. * أنت مرافق له لا تتركه.. أين كنت يوم الحادث؟ - أعمل فى شركة، وفى هذا اليوم كان معى أموال وأوراق لا بد من تسليمها للشركة وهو كان عنده اجتماع سيعقد ظهراً، فاتفقنا أن نلتقى بعد الظهر بعد اجتماعه وكان معه رفيق آخر يقود له السيارة، هو كان متأكداً من تصفيته جسدياً ويعلم أنه على رأس قائمة الاغتيالات لكنه كان مطمئناً لهذا اليوم. * هل كنت ترافقه بصفتك أخاه أم بصفتك حارسه؟ وهل كنت مسلحاً؟ - كنت أرافقه كأخ وصديق ورفيق فى الحزب، وكنا نرى ونشعر أن هناك خطراً محيطاً به وقريباً للغاية، فقررت أن ألازمه، لكننى غير مسلح، فالقانون التونسى لا يجيز للأفراد حمل السلاح، ونحن كحزب لسنا حزباً غنياً لنحضر له حارساً خاصاً مسلحاً، نحن حزب له أرضية شعبية كبيرة لكننا لسنا حزب أغنياء، كنا دائماً نوفر له رفاقا يلازمونه وإذا كان سيخرج من العاصمة كنا نوفر له سيارة مرافقة بها بعض الرفاق لحمايته. صمت قليلاً وأضاف: أعتقد أن الحادث كان يدبر له منذ فترة، فقبل شهرين كان ابنى هو مرافقه بالسيارة وشعرا أن هناك اثنين يراقبانهما، وعندما اكتشف هذان المراقبان أن شكرى كشفهما فرّا هاربين قبل أن يتمكن من الإمساك بهما، لذا أعتقد أن الترتيب لاغتيال شكرى كان يعد منذ فترة، ثم إن هناك مؤشرات أخرى؛ فقبل الحادث بأسبوعين قطع مجهولون الكهرباء عن الحى الذى يسكنه، وقالت شركة الكهرباء إن مجهولين قطعوا أسلاك الكهرباء عمداً. * قلتم إنكم تشكون فى سير التحقيقات.. لماذا تشكون فى التحقيقات وهى تابعة لوزارة العدل؟ - دعنى أقول لك بصراحة إن رجال الأمن الذين يباشرون القضية لا نشك فيهم مطلقاً، كذلك فإن قاضى التحقيق الذى يعمل على القضية يبذل قصارى جهده، لكن شكنا الأساسى ليس فى هؤلاء، شكنا فى وزير الداخلية التابع لحزب النهضة الذى أمر بقتل شكرى بلعيد، وفى وزير العدل التابع أيضاً للنهضة هو الآخر، شكنا ليس فيمن يباشرون القضية، المشكلة فى الوزراء الذين سترفع لهم نتائج التحقيقات، وهم غير محايدين ولا نثق فيهم. * هل لهذه الأسباب طلبتم لجنة تحقيق دولية؟ - طبعاً نحن طالبنا فريق الدفاع وهو مكون من 100 محامٍ بأن يتوجهوا للجهات الدولية لطلب فتح تحقيق دولى نزيه ومحايد لعدم ثقتنا فيما ستنتهى إليه التحقيقات الدائرة هنا، وقد تركنا لهم حرية اختيار المكان المناسب سواء جنيف أو بلجيكا أو المكان الذى يرونه مناسباً لطلب فتح تحقيق دولى، وهم يتشاورون وسيستقرون قريباً على الجهة التى سيتوجهون إليها. * هناك صور نشرت لقاتل بلعيد، ألا يقربكم ذلك من القبض عليه؟ - لا، هذه الصورة غير حقيقية ومفبركة، والهدف منها لفت الأنظار عن القاتل الحقيقى، فهذه الصور نشرها موقع تابع لحزب النهضة «الإخوانى» وليست لقاتل أخى، بل لشخص آخر اختطف طفلاً يدعى منتصر فى عام 2010، ووقتها انزعج الرأى العام من هذه الجريمة وحظيت ساعتها بمتابعة إعلامية كبيرة، والمهم هنا أن أتباع النهضة روجوا لصور مفبركة، ليحموا القاتل ويسهلوا هروبه، ومن أدرانا ربما يكون هرب بالفعل أو تمت تصفيته لتضيع معه الحقيقة. * هناك روايتان يتداولهما الناس: قتله أزلام النظام السابق، أو السلفيون الذين هددوه قائلين «لو كنت رجلاً تعال لنا»، فلماذا تتهمون «النهضة» إذن؟ - أولاً قصة أزلام النظام السابق ليست واقعية، والنهضة هى من تروجها لتنفى المسئولية عنها، أما ما يتعلق بتهديدات السلفيين، فقد ذهب إليهم بالفعل مرتين بعد نشر هذا الفيديو، الأولى كانت عقب مشاهدة الفيديو، وتحداه أحد مشايخهم قائلاً له «لو كنت رجلاً تعالَ لنا فى برجيس»، فذهب وجلس على مقهى تابع لهم وقتها فجاء له حوالى 40 من السلفيين، لكننا كنا أكثر من 800 فخافوا وانصرفوا، كان لا يخاف وأصر على الذهاب. أما المرة الثانية فكانت للمشاركة فى اجتماع للحزب هناك، ومشايخ السلفيين لم يقولوا ذلك إلا عندما خرج وزير الداخلية ليحرض شكرى بعد أحداث «سليانة» وخرج على التليفزيون ليتهمه بأنه وراء الأحداث (سليانة هى منطقة فى وسط تونس خرج سكانها فى احتجاجات فئوية وواجهتهم الشرطة بالضرب فى الأعين مباشرة مما أدى لثورة أهالى المدينة ضد الشرطة)، ورغم أن شكرى لم يكن فى تونس وقتها وكان فى المغرب لحضور مؤتمر إلا أن وزير الداخلية حرض ضده واتهمه.