باغتنى (يعنى فاجأنى) بسؤاله: ما سر الساقية؟ قلت: أى سر؟ قال: أتحتفل بعشر سنوات على افتتاحها، وما زلت تصر على الاحتفاظ بالأسرار لنفسك؟ قلت: مهلاً.. أهو سر واحد الذى تسأل عنه، أم عدة أسرار؟ قال: لِمَ المراوغة؟ من حقك أن تحتفظ بالأسرار لنفسك، وكنت متأكداً من ذلك.. كل سنة وأنت طيب. قلت: وأنت طيب، ولكنى أريد أن أنتهز الفرصة، وأخبرك بكل الأسرار. قال: حقّا؟ كل الأسرار؟ أسرار السنوات العشر؟ قلت: أولها ربما يصدمك! قال: كيف؟ قلت: أهم أسرارها هو أنها تعمل بشفافية متناهية من اليوم الأول لافتتاحها. فقد لونه، وذبل فضوله، وقال: ماذا تقصد؟ قلت: الشفافية كمنهج عمل تجعلك لا تكيل بمكيالين فى تعاملك مع المبدعين: صغيرهم يحصل على نفس الاهتمام والعناية كأكثرهم شهرة.. وفى تعاملك مع الجمهور لا توجد شخصيات مهمة وشخصيات أقل أهمية؛ كل ضيوفنا شخصيات فى غاية الأهمية.. نفس القاعدة تسرى على العاملين، وتجعل كلا منهم يشعر أن حقوقه محفوظة حتى لو خالف الإدارة فى الرأى. قال: لا تستفِض هكذا فى الإجابة.. آسف؛ لا أقصد إحراجك، ولكنى واثق أن هناك أسراراً يمكننى أن أستفيد بمعرفتها، أتسمح لى باختصار الوقت وتوجيه الأسئلة؟ رحبت، فقال: كثيراً ما سألت نفسى: لماذا سمح لك نظام مبارك بممارسة أنشطة، الكثير منها يفتح الباب لمعارضين ولممارسات نقدية لم يكونوا يطيقونها؟ هذا سؤال جيد وذكى، وقد كنت أطرحه على نفسى أيضاً، فى البداية لم أكن أعرف الإجابة، حتى هدانى تفكيرى إلى تفسير أظنه هو الصواب: إنها نظرية «التنفيس» لتقليل الضغط وتخفيف الاحتقان، والساقية سهلة الرصد والمراقبة من قبل المكلفين بذلك.. تمتعنا بحريتنا من باب التنفيس، وربما من باب «خليهم يتسلوا» أيضاً!! إلا أن الأمور تطورت فى العامين الأخيرين من حكم المخلوع، وبدأ تضييق الخناق علينا، حتى وصلَنا -ذات يوم- خطاب إغلاق بحجة أن المكان يمثل خطورة على رواده.. خاطبت وقتها العادلى مباشرة بعبارة: «فى حين تحظى الساقية بتقدير وجوائز محلية وعربية وعالمية، فإن هناك فى وزارة الداخلية من يتربص بالفكر والثقافة». لم يصلنى أى رد، لا كتابى ولا شفهى!! سارع بعض الإعلاميين الأحرار بالتحذير من إغلاق الساقية، كما عرض علينا أعضاء الساقية وروادها عمل وقفات على الأبواب للدفاع عنها.. بفضل الله لم نغلق يوماً واحداً منذ فبراير 2003. قال: أرأيت.. ألم يكن هذا سرّا احتفظت بتفاصيله لنفسك؟ ابتسمت.. سأل: كيف تمولون هذا النشاط اليومى فى ثلاث قاعات، فى حين أن أغلب الأنشطة مجانية كالمعارض والندوات والأمسيات الأدبية والشعرية؟ قلت باختصار شديد: اشتراكات الأعضاء السنوية، وهى جنيهات قليلة، ولكن عددهم وصل بتوفيق الله إلى مائة ألف عضو.. يضاف إلى إيراد العضويات ما نحصل عليه من الرعاة، وما نحصّله من تذاكر دخول الحفلات الموسيقية والمسرحية ودروس تعليم الفنون المختلفة. قال وكأنه يوجه إلىَّ الضربة القاضية: والدعم الخارجى أو التبرعات أو الهبات؟ ضحكت رغماً عنى، وقلت: لم يكن بإمكاننا الحصول على أى دعم من أى جهة، لأن كياننا القانونى كان شركة تجارية.. مؤخراً -وتحديداً مع بداية هذا العام- أسسنا جمعية أهلية لتجاوز هذه العقبة بشكل قانونى تماماً، فمن غير المعقول أن نروج طوال الوقت للشفافية والنزاهة والالتزام بالقانون ونفعل غير ما نقول. قال: إذا كان الأمر بهذا اليسر، فبمَ تفسر عدم ظهور مشروعات مماثلة؟ قلت: بالعكس.. هناك عدة مشروعات نعتز كثيراً بأن تكون الساقية هى النموذج الذى حفزها. * يوم 20 فبراير يوافق الذكرى الخامسة والتسعين لميلاد عبدالمنعم الصاوى (يرحمه الله) عيد الساقية العاشر، وعيد الكرامة الخامس.