يتذكر هشام عمارة جيداً يوم أن كان يزرع أرضه فاكهة وخضراوات، يسقيها من مياه ترعة جانبية على السكة الحديد بطريق شبين الكوم مركز الشهداء، التى تأتى المياه إليها من بحر «شبين»، وقتها كان يربط جلبابه، فى وسطه، وينزل بقدميه فى الأرض غير مبالٍ بالمياه التى تغمرها، ولكن الحال تبدلت، فلا أصبح يزرع أرضه بالخضار والفاكهة، ولا عادت قدماه يحتملان أن يغرسهما فى مياه الرى التى اختلطت بمياه الصرف الصحى. الحال التى يشكو منها «هشام» لا تخص أرضه وحدها، بل هى مئات الأفدنة فى المنوفية، حيث لا توجد شبكة للصرف الصحى فى معظم القرى، ويضطر البعض إلى إلقاء الصرف داخل ترع الرى. 200 فدان فى «عزبة الجبالى»، و«طمبدى»، و«البتنون»، و«عرب سوسة»، والشهداء، أحجم فلاحوها عن زراعة الخضار والفاكهة واتجهوا إلى زراعة الذرة خوفاً على أنفسهم وعلى المستهلكين من الأمراض التى تنتج عن رى أراضيهم بمياه الصرف الصحى. ناجى عبدالرازق، من قرية «طمبدى»، يروى سبب الأزمة، قائلاً: «معظم القرى هنا لم يدخلها صرف صحى بعد، لذا تأتى الكساحات إلى البيوت وتأخذ الصرف وتلقى به فى مصارف، ولكننا فوجئنا أن بعض البلطجية من أصحاب الكساحات استخدموا الترعة التى نروى منها أراضينا كمصرف يلقون فيه مياه الصرف الصحى التى يأتون بها من القرى، وحين حاولنا منعهم وقفوا أمامنا بالأسلحة واشتبكوا معنا وأصيب منا كثيرون، واستمروا فى جريمتهم تلك دون أن يحاسبهم أحد. «إحنا بنيجى نروى الأرض نلاقى نفسنا بنهرش فى جسمنا»، بتلك الكلمات بدأ صلاح محمد السدودى، أحد أهالى قرية البتنون حديثه، وتابع: «قدمنا مذكرة للوحدة المحلية من قبل وبعثنا بأخرى لهيئة الصرف الصحى، ووقعنا ومعنا أهالى القرى المتضررة على شكوى جماعية وأرسلناها للمسئولين ولكن أحداً لم يكترث لنا وظل الوضع على ما هو عليه»، واستطرد: «إحنا مابقيناش ناكل خضار عشان خايفين منه واتخرب بيتنا، واللى شغالين على الكساحات هما المستفيدين من تمن نقلة الصرف اللى بياخدوا عليها 25 جنيه للعربية الصغيرة و50 على الكبيرة». لم يقتصر الأمر عند صلاح توفيق، بعد امتناعه عن زراعة أرضه بالخضار والفاكهة أو عند الأمراض الجلدية التى تصيبه كلما روى أرضه بمياه الصرف، ولكنه فقد اثنين من مواشيه ثمنهما 50 ألف جنيه، بعد أن شربتا من تلك المياه، يقول «صلاح»: «حتى البهايم ما استحملتش الميه دى، أومال إحنا جسمنا بقى فيه إيه دلوقتى». ويلتقط عبدالمعطى عبدالرحمن، طرف الحديث: «زمان كنا بنسمع فلان عنده المرض الوحش، ونقول يا ساتر يا رب دلوقتى إحنا كل يوم نسمع عن واحد مننا عنده فيروس سى، وعلى سبيل المثال لا الحصر توفى مؤخراً 3 من بلدتنا بمرض الكبد». يتذكر محمد محمد ناصف، يوم أن وقف أمام أصحاب كساحات الصرف الصحى رافضاً إلقاءهم لمياه الصرف فى الترعة التى يروى منها أرضه، فما كان منهم إلا أن أصابوه بجرح قطعى فى وجهه، ولم يخلصهم من أيديهم إلا أهالى قريته الذين تجمعوا للوقوف جانبه، «محمد» شغّل ماكينة ضخ المياه التى تسحب المياه من الترعة وضخها فى أرضه، وفجأة اندفعت مياه سوداء اللون وانتشرت فى الجو رائحة كريهة للغاية، فما كان منه إلا أن خلع جلبابه ونزل إلى حيث الماسورة التى يخرج منها المياه إلى أرضه مباشرة، وأدخل يديه فيها ليحاول أن يزيل عنها ما تعلق بها من فضلات فى مياه الصرف، وحين خرج، قال: «أنا بأروى أرضى اللى مساحتها 15 فدان بالميه دى، وعارف إنى همرض منها، بس أنا سلّمت نمر خلاص، ومابقاش فى حاجة ف إيدى أعملها، بعد ما بطلنا نزرع خضار وفاكهة لكن لو ما زرعتش الدرة عيالى هيموتوا من الجوع». «هما لازم يستنوا لما تحصل كارثة وبعدين يتحركوا؟» بهذه الكلمات استنكر محمد إسماعيل من قرية «عزبة سوسة»، تقاعس المسئولين عن حل الأزمة، وقال: «أنا ابنى كان بييجى معايا الأرض يزرع ويساعدنى، وفجأة لقيته بيشتكى من حساسية فى رجله فبطلت أجيبه معايا وقلت أنا استحمل إنما هو لسه عيل عنده 8 سنين.. خايف يحصلى حاجة وما يلاقيش اللى ياكله هو وأمه». من جانبه، قال حسن القط، مدير الإرشاد الزراعى بمديرية الزراعة بالمنوفية: «ليس لدينا حصر بمساحة الأراضى التى يجرى ريها بمياه الصرف الصحى، ولكن الفلاح إذا وجد المياه النظيفة التى يروى بها أرضه لن يلجأ أبداً إلى ريها بالصرف الصحى».