حيث إن الصرعة الحالية هى الدولار، والجميع يتحدث عنه، فقد قررت أن أوجه دفة المقال بعيداً عن الورقة الخضراء، ومجدداً صوب الطبقة التى تدمع العين على حالها، ويدمى القلب على ما أصابها، وتنفجر الدماغ لكثرة ما ترزح تحته من ضغوط وجروح. صديقة كتبت على «فيس بوك» مستنكرة منددة مكفهرة من أولئك النزقاء من قساة القلوب عتاة العقول عنصريى الميول الذين ينددون بتصرفات بعض المصريين ممن توجهوا إلى فنادق شرم الشيخ والغردقة لقضاء بضعة أيام حيث العروض الصيفية المخفضة فى ظل أزمة السياحة الطاحنة. صديقتى المنتمية إلى الطبقة المخملية جداً، التى لن تتوجه يوماً إلى هذه الفنادق -حتى لو كانت من فئة النجوم الخمسة- حيث إن غالبية إجازاتها الأسرية تمضيها فى دول أوروبية، تلوم المصريين من القابعين فى تلك المنطقة الرمادية المتعلقة بين سماء الطبقة العليا وأرض الطبقة الدنيا، وتحديداً أولئك الذين لم يتأثروا بثقافات خليجية أو يذعنوا لهجمات تدينية أو يتقهقروا أمام ردات اجتماعية، لأنهم لا يراعون «أخلاقيات وسلوكيات» تلك الطبقة من بنى وطنهم التى هجمت على البوفيه المفتوح فدمرته، وغزت الشواطئ بلباس لا يمت للشاطئ بصلة ونشرت منظومتها القيمية بحكم كثرتها العددية. وبالطبع فإن الحديث عن بنى الوطن ممن يدمرون البوفيهات المفتوحة عبر ملء الأطباق بمأكولات وغمر الموائد بتلال من المخبوزات وأنواع الطعام المختلفة فى مشهد يذكرنا بمقاطع الأفلام التاريخية التى كانت تصور كفار قريش وهم يلتهمون جبالاً من الأطعمة، وذلك لتقبيح صورتهم لدى المشاهد المؤمن، أو الذين يرون فى نزولهم البحر بعباءات سوداء وجلاليب حمراء أو بالملابس الداخلية الرجالى، أو الإصرار على أن نزول المسابح بالملابس كاملة، هو حقاً لهم وليس فيه شبهة تلويث المياه ولا نقول إلحاق الأذى بالعين، ناهيك عن اتهام من يحاول منعهم طبقاً لتعليمات الفندق بأنه يروج لرذيلة المايوه، وينشر فاحشة العرى، أو تأديب الأولاد والبنات بصراخ وزعيق يصم الآذان، أو اعتبار النظر بعيون مفنجلة وإطلاق عبارات ساخرة على من يرتدى ملابس لا تتطابق مع ثقافتهم أو ذوقهم حقاً أصيلاً. أى رفض لسلوكيات هذه النوعية من المصريين يقابل برفض واستهجان. وأضيف إلى ذلك إلى أن الرافضين والرافضات لهذه المنظومة السلوكية برمتها يحتفظون برفضهم وقرفهم كامنين خوفاً من أن يتم اتهامهم بالعنجهية أو العنصرية أو ما شابه. هذه الاتهامات لا تأتى إلا من فئتين متناقضتين: الأولى هى الفئة المخملية المثالية والثانية هى الفئة التى تعتنق منظومة السلوكيات الخليطة بين ثقافات غير مصرية وتديين لا علاقة له بالدين. أما الأولى فهى المخمليون والمخمليات من المنزهين والمنزهات عن الاختلاط بعامة الشعب سواء كانوا من الطبقة المتوسطة بفئاتها أو الدنيا بدرجاتها. بنو مخمل لا يمتلكون خبرات التحامية سابقة. ويعتنقون مذاهب مثالية محلقة فى فضاء أرسطو وسقراط وأفلاطون، حيث من حق الجميع أن ينعم بخيرات الأرض جنباً إلى جنب. لكنهم فى الوقت نفسه لم يمروا بتجربة أن تصم إحداهن أذنيك بصيحة جبارة وزعقة وضاحة موجهة لابنتها «هاتى الشبشب يا بت» فترد ال«بت»: «لا مش جايباه» فتلقى تهديداً صداحاً ووعيداً رداحاً «طب أنا جايالك أطلع دين......».. وهم لم يجدوا أنفسهم فى مواجهة حقيقية مع الأسرة الملتزمة التى قررت أن تطلق عيالها السبعة حول مكان استرخائك على البحر، حيث يتراشقون بالرمال ويقذفون بعضهم البعض بالمياه عبر الساتر الذى اخترته لنفسك. ناهيك عن أن الزى الرسمى للأولاد هو «الكلسون» الأبيض، فى حين أن البنات (وأكبرهن لا تزيد على العاشرة) هو جلباب النوم مع الطرحة. وإن اعترضت، فإن الرد الذى يصدر عن الأهل «إنتوا فاكرين إيه؟ إحنا دافعين زينا زيكم». هم ونحن تقسيمة معروفة للجميع. وهذه التقسيمة التى ينأى البعض من المثاليين والمثاليات بأنفسهم عن الاعتراف بها هى سنة الحياة. فرغم أن رواد الفندق أو القرية السياحية دفعوا المبلغ نفسه، إلا أنهم يختلفون عن بعضهم البعض فى الثقافة والسلوك ومفهومهم عن الإجازة واحترام حقوق الغير. تعليق صديقتى المخملية لاقى ردوداً متفاوتة، بعضها مؤيد لكلامها داق على وتر «دول ناس كيوت ولازم يستمتعوا بالبلد ولو حد متضايق منهم يقعد فى بيته»، والبعض الآخر معارض لها حيث «وهل وجود حلة محشى على البلاج أو رجل بملابسه الداخلية لن يؤذى نظرك؟»، وفريق ثالث جمع بين المخملية والواقعية تمثل فى التعليق التالى: «أنا بافرح خالص لما باشوف الناس دى مبسوطة وعلى طبيعتها وتستمتع ببلدها مثل باقى طبقات المجتمع. صحيح مستحيل أشاركهم نفس المكان، لكن هذا لا ينفى حقهم فى الاستمتاع، ولا يحق لأحد التريقة عليهم أو مطالبتهم بتغيير سلوكهم». وعلى الرغم من أن الرد الأخير تميز بالصراحة، لكنه حمل فى طياته العديد من الكوارث. فصاحبته المخملية تدافع عن حق حاملى حلات المحشى ومرتدى الملابس الداخلية وهجامى البوفيه المفتوح فى الاستمتاع ببلدهم، ولا ترى فى سلوكهم ما يسىء لبلدهم أو لأنفسهم. وهى لا ترى حتى داعياً لأن يغيروا هذا السلوك الذى جعل أصحاب الفنادق والقرى السياحية المنكوبة يولولون على ما أصاب منتجعاتهم. ليس هذا فقط، بل هى ترى أنه ليس من حق أحد أن يرفض أو يسخر مما يقترفون. كلمة أخيرة: حاملو المحشى ولابسو «الكلسون» وهجامو البوفيه المفتوح ليسوا فقراء أو معدمين، لكنهم مواطنون مشوهون سلوكياً وأخلاقياً وتربوياً وتعليمياً وحقوقياً. بس خلاص.