يرتبط الجرم الأكبر ل«المخلوع» مبارك فى حق الطبقة الوسطى بتربيتها على «التطلع»، بعبارة أوضح: التطلع إلى حياة الأغنياء المخمليين، واللهاث وراء المال القادر على تحقيق هذه التطلعات بشتى الطرق ومن كل الطرق الممكنة. وليس ثمة خلاف على أن «التطلع» سمة من سمات الإنسان، جوهرها السعى إلى حياة أفضل، لكن هذه الفضيلة قد تتحول إلى رذيلة إذا جعل الإنسان من التطلع جلّ همه، وسقط فى براثن التنافس مع الآخرين، وأسس نظرته إلى مستوى نجاحه فى الحياة على حجم قدرته على التفوق على المحيطين به فى حيازة كمالياتها، ويكون التطلع هلاكاً للإنسان حين يصبح بلا سقف، أو يدفع صاحبه إلى التماس كل الحيل لخرق طبقته ليدخل فى الطبقة الأغنى، أو الطبقة «المخملية»، وذلك جوهر «التشوه» الذى أصاب ثقافة الطبقة الوسطى فى عصر «مبارك». قد تقول لى: ولماذا تخص «المخلوع» بالذكر، ولماذا تلقى عليه وحده باللوم، وحتى لو كان فالذنب ذنب من استجاب لمناخ التشوه الذى أوجده؟ وأرد على من يردد ذلك بالقول: أنت محق فى شىء، ولكن غابت عنك أشياء. أنت محق فى لوم أفراد الطبقة الوسطى. فمن قال لهم أن يشربوا ماء قد علموا من قبل أنه ملوث؟ نعم، كان أكثرهم حمقى حين فعلوا، لكن الذى دس لهم السم فى الماء مجرم ينبغى مساءلته أيضاً. والسم الذى دسه مبارك فى ماء وهواء المحروسة هو الفساد، ومدار الأمر فيه «الربح السريع» الذى بان أثره فى حياة النخبة المخملية التى تحيط بالرئيس والتى أثرت ثراء غير معهود ولا مسبوق فى حياة المصريين نتيجة استنزاف ثروات هذا البلد عن طريق نهب الأراضى، وسرقة البنوك، وحلب المال العام، واستغلال النفوذ، والسمسرة والعمولات والرشاوى الظاهرة والباطنة، ثم انطلقت تستمتع بما كسبت من ربح سريع، فكان من الضرورى أن يكون لها مساكن وملابس ومصايف ومنتجعات وحرس وسيارات تليق بهم. وبينما كان المخمليون يؤسسون لحياتهم الجديدة، ظهرت طبقة «الشغيلة» من أبناء الطبقة الوسطى من المتعلمين وخريجى الجامعات الذين انطلقوا للعمل فى شركات ومشروعات أصحاب المال من أبناء النخبة المحيطة بالسلطة، ومع طول العشرة تجذّر بداخلهم شعور بالتطلع إلى العيش فى مستوى يقترب -على الأقل- من الطبقة التى يشتغلون عندها، خصوصاً أنهم لم يجدوا فيهم اختراعاً أو تميزاً يبرر لهم هذه الثروات الكبرى، سوى الاقتراب من السلطة! دعنى أقص عليك رسالة بعث بها أحد المواطنين إلى باب «بريد القراء» بإحدى الصحف القومية بداية التسعينات، ويحكى فيها موقفاً رآه بعينه، وهو يسير فى الشارع، لبيه من بهوات التسعينات، وهو يوبخ ابنه أمام سيارة جديدة من ماركة فريدة حينذاك، بعد أن اصطدم بسيارة أخرى، ويقول له: «انت خسارة فيك العربية دى.. اللى زيك ماينفعوش إلا عربية الشحاتين.. أنا حجيبلك عربية 128». السيارة 128 حينذاك كانت الأكثر شيوعاً لدى فئات الطبقة الوسطى، وكانت تشكل بالنسبة لكثيرين منهم «أملة»، لكنهم كانوا يرون المخمليين يحتقرون ما بلغوه بشق الأنفس، فأغراهم الحمق بالتطلع إلى الأعلى، وشيئاً فشيئاً استسلم أبناء هذه الطبقة لسباق لا ينتهى على السيارة والمسكن والملبس والمصيف والمدرسة، سباقاً كان يتحرك بطاقة لا تفنى من «الفشخرة»!