مشاهد الاحتراب الأهلى، والعنف المجتمعى، والقتل، والتحرش ومحاولات الاغتصاب الجماعى، والتعذيب، والاختفاء القسرى، فضلا عن تغييب القانون، والاعتداء على السلطة القضائية، كل ذلك معناه أننا لسنا أمام دولة.. سوف نختار فقط ثلاثة مشاهد، نتناولها بإيجاز شديد لضيق المساحة. أول هذه المشاهد قصة حمادة صابر.. مبيض محارة.. أحد ضحايا المجتمع الذين يعيشون على هامش الحياة.. حمادة ساقه حظه إلى قصر الاتحادية مع المتظاهرين مساء الجمعة 1 فبراير.. وهناك تم ضربه، وسحله، وإهانته، وتعريته أمام العالم على يد الأشاوس من قوات الأمن.. الداخلية اعترفت بوقوع المأساة، ورئاسة الجمهورية أبدت أسفها.. مسكين حمادة صابر.. ترى كم حمادة صابر فيك يا وطن؟ المشهد كان واضحا، وفاضحا.. من المؤكد أنه أصاب الجميع بالحزن والألم والوجع.. أزعم أنه لا يوجد إنسان حر، أيا كانت عقيدته أو ملته أو جنسيته، رأى هذا المشهد ثم لم يتألم.. صورة مصر أمام العالم أصبحت مخزية. لم تكتف الداخلية بما فعلت، لكن من الواضح أنها قامت بممارسة الضغط، ترهيبا وترغيبا، على حمادة لكى يغير أقواله، حيث ظهر الرجل المسكين على القنوات الفضائية يقول كلاما أثار من الإشفاق أكثر مما أثار من العجب والدهشة.. زعم الرجل أن المتظاهرين هم الذين قاموا بتعريته، وأن الداخلية هى التى أنقذته (!!!).. انكسر الرجل أمام أهله وأولاده والناس.. آه يا وطن.. أهين حمادة صابر مرات.. المهم أنه غيّر كلامه بعد ذلك وذكر الحقيقة.. وما بين الكذب والحقيقة تثار علامات استفهام. بالنسبة للداخلية، لا جديد تحت الشمس.. لم يتغير شىء.. نفس المفاهيم، والسياسات، والتوجهات، والممارسات.. التعذيب ما زال حاضرا بقوة.. والقتل أيضاً.. فكم من الشباب تم قتلهم فى عهد الدكتور مرسى؟ ثانى هذه المشاهد يمثلها ثلاثة فتيان من فتيان الثورة.. محمد حسين «كريستى»، وعمرو عبدالرحيم سعد، ومحمد الجندى.. قتلتهم رصاصات الداخلية عند قصر الاتحادية فى نفس الليلة.. الجندى تم تعذيبه حتى الموت.. هل يكونون آخر من يقتل على يد الداخلية، أم سيظل مسلسل الدم مستمرا؟ وإلى متى؟ ربما تكون هناك تحقيقات، أو لا تكون.. الكثير يتساءل: هل يذهب هذا الدم هدرا، كما ذهبت دماء أخرى كثيرة قبلها بأيام؟ أعتقد لا.. فهذه الدماء الزكية هى الوقود الحى لاستكمال الثورة. ثالث هذه المشاهد يمثل عارا ونقطة سوداء على جبين الوطن.. أعتقد أن الملايين من المصريين، وغير المصريين شاهدوا على شاشة قناة النهار مساء الجمعة 1 فبراير الفتاة ياسمين البرماوى والسيدة هانيا مهيب وهما تتحدثان عما حدث لهما فى ميدان التحرير، من تحرش جنسى ومحاولات اغتصاب جماعى.. الأولى منذ أكثر من شهر، والثانية منذ أسبوع تقريبا.. امتلكت الفتاة والسيدة شجاعة منقطعة النظير، تضاهى شجاعة عشرات ومئات وآلاف الرجال.. قالت ياسمين إنها أهينت، لكنها ليست عارا، والعار هم هؤلاء المجرمون والسفلة الممسوخون الذين قاموا بذلك، ومن حرضهم على ذلك.. كان واضحا أن العملية منظمة وممنهجة، وتقوم بها مجموعات، وتقف وراءها جهة ما(!!).. الهدف هو تلويث ميدان التحرير، رمز الثورة.. هو منع الفتيات والسيدات من المشاركة فى التظاهرات.. هو إلحاق الهزيمة النفسية بفتيات وسيدات مصر.. نعم بدأ التحرش ومحاولات الاغتصاب منذ فترة، لكنها لم تكن بهذه المنهجية.. والهمجية!!