مما لاشك فيه أن مشهد سحل وتعريه المواطن المصري "حمادة صابر" القاطن في حي المطرية الشعبي والذي يرجع أصله إلى محافظة سوهاج إحدى محافظات الصعيد من قبل رجال الداخلية، يستدعي إلى الأذهان مشهد تعرية "ست البنات" من قبل الشرطة العسكرية، ليؤكد هذان المشهدان على أن السلطة التي تولت إدارة وحكم البلاد لم تسع حتى الآن إلى تحقيق هدف الثورة المتمثل في "الكرامة الإنسانية". فعلى مدار سنتين يتعرض الشعب المصر لكافة أشكال الإهانة والمهانة للنيل من معنوياته وتأييده للثورة حتى يتمكن من على الكرسي من الاستقرار عليه، فقد شاهدنا اعتقال الشباب والشابات والتنكيل بهم جميعا وبأشكال مختلفة منها تلفيق التهم لهم وسجنهم وتعذيبهم، وكشف العذرية على الفتيات للتنكيل بهم جميعا، كما تعرضوا لحالات تحرش جماعي وأيضا اغتصاب جماعي منظم ومخطط له سلفا يوم 25 يناير 2013، لتخويف البنات والسيدات من النزول للميدان ولتشويه الميدان نفسه وإشعارهم بالعار والعجز عن عدم قدرتهم على حماية أنفسهم وكذلك إشعار الشباب بالعجز عن حمايتهن أيضا، هذا فضلا عن السحل والقتل المستمر والضرب والإهانة والتنكيل الممنهج والمستمر. والصحيح أن هذه التصرفات لها أسبابها في كل مرحلة من مراحل الحكم بعد الثورة، فقيام الشرطة العسكرية بهذه التصرفات كان الهدف منه فرض المجلس الأعلى للقوات المسلحة على سدة الحكم وذلك من خلال دفع الناس للكفر بالثورة والنيل من عزيمة وإرادة الشباب وتشويه من ينزلون للتحرير من توجيه اتهامات لهم ولوم الفتيات على نزولهن وتلقينهم درسا وإشعارهم بالعار والخزي من أنفسهم لأن نزولهم كان السبب المباشر في تعرضهم للتحرش والتعرية والاغتصاب. كما أن استمرار هذه التصرفات من قبل وزارة الداخلية -التي تعتبر جزءا من عقيدتها في التعامل مع المواطن الإنسان- بناء على تنفيذ أوامر ولإنفاذ سطوة نظام الحكم والحفاظ على بقائه كما اعتادوا مع النظام السابق، وكذلك لعدم قدرة الوزارة على التصالح مع الثورة بعد موقفهم المخزي منها وتنصلهم من القيام بواجبهم تجاه هذا الشعب الذي تركوه فريسة للبلطجية وقطاع الطرق والمساجين الذين تم إطلاقهم من السجون المختلفة. والحقيقة أن استمرار نفس الممارسات من قبل السلطة "المنتخبة" من خلال وزارة الداخلية له تفسيرات عديدة منها: استمرار عقيدة النظام السابق القمعية والاستبدادية في الحكم، ضعف النظام الحاكم في إدارة البلاد وكذلك صعوبة تواصله مع الشعب وتحقيق احتياجاته الأساسية، رغبة النظام الحالي في الانفراد بالحكم والتنكيل بالمعارضة، إصراره على فرض نموذج للحكم يخالف النموذج المبتغى بعد الثورة، عدم قدرته في توفير حياة كريمة للمواطن العادي، كل ذلك عمل على زيادة الفجوة بين النظام الحاكم بكافة مؤسساته والشارع، مما دفع بالناس لعدم الثقة في هذا النظام ومؤسساته التي هي امتداد لمؤسسات النظام السابق. ولعل من أسباب النقمة والتي ترتب عليها الخروج المستمر للناس في الشارع هو حالة العناد التي يحكم بها النظام والتي ظهرت جليا منذ تولى الرئيس محمد مرسي الحكم من محاولته الاستئثار بإصدار الإعلانات الدستورية والتي كان آخرها إعلان 21 نوفمبر والذي يعد السبب الرئيسي للأزمة الحالية والمرشحة للتصعيد، والتي ترتب عليها إصدار دستور باطل وبانتخابات مزورة، فضلا عن تردى الوضع الاقتصادي والأمني. وهنا يوجد ملاحظة على أداء وزارة الداخلية في عهد الوزير االسابق أحمد جمال الدين الذي انتهج نهجا مغايرا لسلفه، حيث أعلن أن وظيفة الداخلية هي حماية المواطن ورفض إطلاق النار على المواطنين عند قصر الاتحادية، وكذلك قبض على أنصار أبو إسماعيل الذين حرقوا مقر حزب الوفد، وقد ترتب على هذه السياسات تقاربا كاد أن يصل إلى مرحلة التصالح مع الشعب من قبل وزارة الداخلية، وتوسم الكثيرون خيراً في تغير عقيدة الوزارة. ولكن، في هذه الحالة يصعب التأكيد على أن ما بدر من وزير الداخلية الأسبق كان إيمانا منه بضرورة تغير عقيدتهم وحرصه على التقارب مع الشعب بقدر ما يمكن تفسيره بأن درس الوزير حبيب العادلي الذي يقبع خلف القطبان لأنه نفذ أوامر رئيسه بقتل المتظاهرين مازالت ظاهرة أمامه، ولذا طلب من الرئيس أمراً كتابياً بإطلاق النار الحي على المتظاهرين السلميين أي أنه لو وفر له الرئيس غطاءً سياسياً وقانونياً لنفذ تعليماته، وهو ما فعله الرئيس مع الوزير الحالي، وإعلانه أمام الشعب بأن الوزير ينفذ تعليماته وأنه سيواجه الشارع بكل حزم وبالتالي هو يتحمل المسئولية وليس الوزير علماً بأن العقاب قانوناً سينال الرئيس والمرؤوس وهذا ما حدث بالنسبة لمبارك والعادلي. الملاحظة الثانية هنا، أنه لو تم التسليم بسعي وزارة الداخلية للاقتراب من الشعب، إلا أن هناك من هم خلف الستار من جماعة الإخوان المسلمين والذين رأوا في موقف الوزير السابق ورفضه تنفيذ الأوامر بالتنكيل وقتل المتظاهرين أنه موقفاً معادياً لهم ومن ثم وجب الانتقام من الوزير بإقالته ومن الوزارة بالعمل على تغييرها كاملة خاصة أن قطاع كبير من ضباط الداخلية رفضوا تأمين مقرات الجماعة والحزب، وذلك بإحلال محلها وزارة أخرى بتشكيل مختلف أو ضم إليها شرطة أخرى تحت مسمى الشرطة المجتمعية ليضمن ولائها التام للنظام، وهنا تكمن الخطورة، لأن سعي جماعة -لا يتعدى تعدادها النصف مليون- للسيطرة على مؤسسات حيوية في الدولة للبقاء في الحكم مؤشر على عدم قدرة هذه الجماعة على تقدير الموقف الحالي وكذلك التغير الذي طال الشعب المصري بكافة فئاته وتنوعاته. وعودة إلى مشهد السحل للمواطن "حمادة" كان من الأجدى بالوزارة -التي تردد مراراً وتكراراً تغير عقيدتها وتقاربها من الشعب- أن تتنصل من أسلوبها السابق من تلفيق القضايا أو الضغط على المواطنين لتغيير أقوالهم كما فعلت مع "حمادة" الذي رآه العالم كله وهو يسحل ويهان ليخرج في مسرحية هزليه يبرأ فيها رجال الداخلية. من الأجدى بالوزارة أن تواجه الموقف بشجاعة وأن تقدم رجالها الذين ارتكبوا هذا الجرم للمحاكمة حتى تكون نقطة البداية لبناء جسر من الثقة مع الشعب المصري الذي ستحتاجه الوزارة لمواجهة المخططات التي تحاك لها، وكذلك لتمتص حالة الغضب التي يشعر بها كل رجل وكل امرأة من جراء هذا المشهد، وكذلك لكي تتقي وزارة الداخلية والنظام غضب المناطق الشعبية التي ينتمي "حمادة" إلى إحداها وهي حي المطرية وكذلك غضب صعيد مصر الذي لا يقبل في الحصول على حقه إلا بالتار، خاصة على ضوء ما تردد بأن هناك مسيرات ستخرج من المطرية ومن محافظة سوهاج اعتراضاً على تصريحات "حمادة" المجبر عليها لكي يأخذ حقه، مما يعنى بأن المشهد مرشح لمزيد من التصعيد غير محدد الحجم والاتجاه. وفي النهاية، لم تتعر ست البنات كما لم يتعر "حمادة" بل النظام هو من تعرى أمام الداخل والخارج، الذي مازال يؤيد النظام القائم ويعطيه دفعه للاستمرار في سياساته القمعية، ومن يعتقد بأنه من الممكن استمرار سياسات وأسلوب النظام السابق في الحكم مع هذا الشعب فهو واهم أو يريد وبمحض إرادته أن يغض الطرف عن التغير الذي طرأ على هذا الشعب الذي يرى اللي فات ده كله "حماده" واللي جاي "حماده" تاني خالص. Comment *