جالسا القرفصاء أمام منزله وإلى جواره أعواد الجريد ولسان حاله يذكرك بتلك الأغنية القديمة «يا جريد النخل العالى ميل وارمى السلام.. ده العمر خلاص هيروح.. مش باقى غير أيام». فى حياته أيام لا ينساها، فهو ليس «قفاصا» عاديا بل هو «عم أحمد السيد إسماعيل» صانع الأقفاص حاليا والعامل فى السد العالى سابقا. «اكتبى على المظروف: أسوان.. زوجى الغالى الأسطى أحمد السيد سماعين (بدلاً من حراجى القط) العامل فى السد العالى». حراجى القط هو إحدى شخصيات الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى: «ماتعرفيش حراجى حصله إيه دلوقت!». يجرى حوله حفيده «منتصر» ذى السنوات الثلاث فرحا بذلك الهواء الذى يتسلل إليه من نصفه المحتفل بذكوريته: «يا واد روح البس هدومك هتبرد». يتذكر تلك السنوات التى قضاها فى بناء السد: «ماكناش شغيلة بندور على لقمة عيش.. كنا عساكر على جبهة». لم يكن بناء السد جبهته الوحيدة، فحرب اليمن كانت جبهته الثانية: «حاربت فى اليمن ولو كان عبدالناصر قال لنا ارموا نفسكم فى البحر كنا هنرمى». بمرارة شديدة يتذكر ذهابه إلى جمعية المحاربين القدماء: «شالوا اسمى من الدفاتر.. مش مهم المعاش بس كان نفسى فى ذكرى تعيش لأولادى». أولاده 6 صبية و3 بنات وولد مفقود تذكره بالصدفة: «مصطفى اتخطف من قدام المدرسة من 15 سنة وأمه ماتت بحسرتها عليه». «عاشق الجريد» كما يسمى نفسه لم يورث أولاده المهنة كما ورثها عن والده: «الزمن اتغير والبلاستيك غطى على الجريد ومفيش غير الفلاحين الغلابة اللى بيشتروه». شعره الأبيض وبشرته البيضاء المشوبة بحمرة يجعلانك تستغربه وهو يؤكد: «والله أنا من أسوان وكنت أسمر».. قسمه المشدد لا يدعك تضحك بل يدفعك لسؤاله فيجيبك: «أنا جالى مرض جلدى خلى إيدى بيضا فدعيت ربنا ارجع اسمر أو أبيض كلى»، وقد حقق الله أمنيته وأصبح أبيض بالكامل.