فى إحدى حوارى منطقة الملك الصالح، جلس عم صابر منكباً على «باجور جاز» محاولاً إصلاحه. ساعات طويلة قضاها فى تصليح «عدة» واحدة، ومع ذلك لم يمل ولم ييأس، بين وقت وآخر يضع يديه على ظهره ويحاول «طقطقة» فقراته التى انحنت. هو اسم على مسمى، له من اسمه نصيب، فالصبر وطول البال هما سلاحه لمواجهة مشاكل المهنة القديمة التى لا يزال يعمل بها. وصل سن «عم صابر» إلى ال75، ومع ذلك لم يفكر فى الراحة: «راحة إيه.. ده أنا جسمى يتهد لو قعدت من غير شغل». «عم صابر» صنايعى قديم، بدأ حياته بالعمل فى ورشة تصيلح باجور جاز منذ 60 عاماً، وظل بها عشر سنوات، ثم افتتح ورشة خاصة، وظل يعمل بها طوال 20 عاماً، وعندما قل استخدام باجور الجاز فى المنازل، ولم يعد هناك زبائن، اضطر إلى هجرة المهنة، بل وهجرة البلد كلها، والسفر إلى ليبيا، لكن إصابته بمرض فى الكلى، جعلته يعود إلى مصر، وفتح كشكاً صغيراً لتصليح المكاوى والخلاطات. لم يمر وقت طويل على عمله فى هذه المهنة، إذ تراجع عنها «صابر» لأن مكسبها لا يختلف كثيراً عن مكسبه من مهنة البواجير: «قلت ليه بقى التعب.. اشتغل فى اللى بفهم فيه أكتر». يكسب «عم صابر» قليلاً، لكنه يحمد الله، ويبوس جنيهاته القليلة «وش وضهر»، ويرى أنه أفضل من غيره، وفى ظل أزمة البنزين، يزداد نشاط «عم صابر»، ويكثر زبائنه: «أوقات بتكون مصائب الناس فوائد لناس تانية زى ما حصل معايا فى أزمة الأنابيب.. الناس بتلجأ للباجور عشان تعرف تطبخ وتحمِّى العيال». «عم صابر» لديه 6 أبناء و24 حفيداً، وتوفى من أبنائه اثنان، تولى هو الإنفاق على أبنائهما: «ولادى حاولوا يقعدونى ويصرفوا عليا لكن أنا مش راضى، هما كبروا وبقوا بهوات.. وشكلهم كدة مكسوفين منى.. بس أنا بقى هموت وأنا شغال والعدة فى إيدى».