فى مواجهة الضغط الذى تمثله الأحذية الصينية الرخيصة على هذه المهنة القديمة، فإن حسين (الإسكافى)، الذى يعمل فى إصلاح الأحذية، يقول إن زبائنه يتزايدون خلال السنوات الأخيرة نتيجة ضيق أحوال الناس، «الأول كنت لما أقول للزبون الجزمة مش هينفع تتصلح، كان يقوللى اديها لحد يستنفع بيها، لكن دلوقتى يقنعنى إنى أصلّحها بأى شكل»، هكذا يصف أوضاع زبائنه التى تنعكس بشكل مباشر على رزقه. ورغم أن عددا من محال إصلاح الأحذية فى المنطقة، خاصة المطلة على الشوارع الرئيسية، قد أغلق لأسباب مختلفة إلا أن الإقبال على إصلاح الأحذية يتزايد، ومن مختلف المستويات الاجتماعية، «دلوقتى الكل بيصلح، لأن الجزمة الجيدة يتجاوز سعرها 100 جنيه، والمتوسطة لا تقل عن 50 جنيها»، كما يقول الإسكافى، فالناس تصلح أحذيتها لأنه ليس لديها ما يكفى لشراء الجديدة، ويضيف جاره مدللا على تراجع الأحوال، إنه كان يملك منذ حوالى ست سنوات 5 أزواج قديمة من الأحذية، تبرع بها للمحتاجين، أما الآن فليس لديه سوى زوج واحد. وانعكس الغلاء على مستلزمات الصنعة أيضا فارتفعت أسعار الخامات التى يعتمد عليها الإسكافى فى إصلاح الأحذية، لذلك رفع بدوره سعر التصليح، «بكرة الخيط التى استخدمها كانت ب 8 جنيهات من خمس سنوات، وصل سعرها الآن إلى 18 جنيها»، وإصلاح الماكينة، التى تعد رأسماله الأساسى، زادت تكلفتها «من 200 جنيه منذ بضع سنوات إلى ما يتراوح بين 600 و700 جنيه فى الوقت الحالى»، تبعا لحسين. «الأسعار بتزيد وأجور الموظفين «زى ما هى»، كما يقول حسين الذى يرى أن «الموظف لما حالته تستريح المهنى كمان هيستريح، لأنه معتمد عليه». وقد ارتفع سعر إصلاح الحذاء مع ارتفاع الأسعار «من جنيه واحد منذ سنوات قليلة إلى ثلاثة أو خمسة أضعاف بحسب المنطقة التى يقع فيها المحل»، كما يقول الإسكافى، وقد يرتفع إلى 8 جنيهات أو يصل إلى 20 إذا كان الأمر يقتضى «تركيب نعل أو كعب»، فالمسألة تتوقف على نوع الخامات المستخدمة وتكلفتها. ويصل دخل حسين فى المتوسط إلى 25 جنيها فى اليوم، بما يعادل 650 جنيها فى الشهر، يدفع منهم 200 جنيه إيجار للمحل، الذى لا تتجاوز مساحته المتر المربع، ليتبقى له 400 جنيه للإنفاق على أولاده الخمسة، الذين يدرسون فى مراحل مختلفة من التعليم. ورغم انخفاض دخله فإن حسين يقول إنه لا يستطيع رفع سعر الإصلاح كثيرا وإلا فقد زبائنه، «مقدرش أدبح الزبون»، خاصة أن بعضهم يطلب أن أصبر عليه حتى بداية الشهر، وهؤلاء يتزايدون مع تراجع الأحوال المعيشية، كما يقول الإسكافى. ومع ذلك فإن الضرائب تفرض عليه تقديرات جزافية تثقل كاهله، «حتى بعد الإقرار الجديد، فى تقديرات جزافية». ويقول حسين إن أولاده توجهوا للتعليم الفنى، إلا أنه لن يجعلهم يعملون فى مهنته، «إذا كنت أنا مش مستريح، ليه أخليهم يشتغلوا زيى؟»، موضحا أنه يفضل أن يعملوا فى مهن أكثر تطورا وأكثر قدرة على توليد الدخل، مثل إصلاح الموبايل أو الكمبيوتر، لذلك يجاهد لكى يجعلهم يلتحقون بدورات تدريبية تساعدهم على العمل بعد ذلك. ويؤكد حسين أن الأحذية الصينية كانت سببا فى إغلاق الكثير من المحال العاملة فى إصلاح الأحذية، أما القادرين على البقاء فيعتمدون على أن لهم زبائن قدامى، كما يرى أن الكثير من الأبناء يهجرون المهنة نظرا لتدنى النظرة الاجتماعية لها، «ولا يوجد دخل كبير يشجعهم على البقاء فيها»، ولا يرى حسين أن الورش الجديدة المعتمدة على الإصلاح الفورى بالماكينات تهدده خاصة أنه غير منتشرة سوى فى بعض الأماكن الراقية، كما أنها تفتقد لخبرة الصنايعى، الأدرى بخفايا المهنة.