ذكرى أحداث جمعة الغضب فى ثورة يناير كانت عادية بميدان التحرير ليلاً، بينما كانت مشتعلة بكوبرى قصر النيل، المنصة لا تتوقف عن الهتافات والنداء على أسماء المتظاهرين والمعتصمين، خلف المنصة يجلس بائع الجرائد وأمامه كل الصحف الصباحية ليوم الثلاثاء، الإقبال على شراء الصحف المستقلة كان ملحوظاً لما تحمله من عناوين تعبر عن مطالبهم التى تظاهروا من أجلها، صوت القرآن الكريم للشيخ مشارى بن راشد العفاسى الكويتى يكسر سكون الميدان فى ظل توقف منصة الميدان الوحيدة عن الكلام. اندلعت اشتباكات شارع قصر العينى من جديد، بينما توقفت فى شارع يوسف الجندى، فيما تراصت سيارات الإسعاف النموذجية والنمطية على جانبى شارع محمد محمود وفى منتصف الميدان وبالقرب من مبنى الجامعة العربية، اشتباكات كوبرى قصر النيل مستمرة منذ يومين، لا تلبث أن تتوقف قليلاً حتى تبدأ من جديد، قبل دقات منتصف الليل بنصف ساعة طافت مسيرة شبابية قلب ميدان التحرير وأعلنت أنها ستتوجه إلى مبنى محافظة القاهرة بميدان عابدين، منصة الميدان من جانبها طلبت من المتظاهرين مساندة المسيرة، استجاب لهذا الطلب مئات المتظاهرين وانطلقوا فى أعداد كبيرة قاصدين المحافظة مرددين هتافات: «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«ارحل» أغلبية المشاركين فى المسيرة لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاماً، أصحاب المحلات التجارية فى شارعى باب اللوق وعابدين استبقوا المظاهرة وأغلقوا أبواب المحال خوفاً من اندلاع اشتباكات بالمنطقة. وصل المتظاهرون إلى مبنى المحافظة خلال دقائق قليلة وهرولوا نحو بوابة المبنى وحاصروها من كل اتجاه. توقفوا عن الهتاف وأخذوا يتشاورون فيما بينهم عن الخطوات التالية، شاب عشرينى كان محمولاً على الأعناق، قال فى حماسة شديدة: «يلّا ندخل المبنى ونحطمه، المحافظات التانية مولعة وإحنا نايمين يا رجاله»، فرد عليه آخرون: «سلمية.. سلمية» لم يلق طلبه استجابة سريعة من المتظاهرين حوله. حيث نصحه البعض بضرورة الالتزام بسلمية المظاهرة حتى لا يتهمهم الآخرون بأنهم بلطجية ومأجورون، استمرت المناقشات بين الطرفين لمدة دقائق. فيما قام بعض الصبية بتكسير أحجار رصيف المبنى لإلقائها على ديوان عام المحافظة وهو ما رفضه بعض المتظاهرين الرافضين لأعمال العنف ومنعوهم من ذلك. محمد حسين 50 عاماً من أكبر المتظاهرين سناً نصح الشبان بعدم الاقتراب من الأسلاك الشائكة فى محيط قصر عابدين لأن الجيش هو الذى يقوم بتأمينه لذلك لم يقربه الشباب أبداً، نفس الموقف تكرر عندما نمى إلى علمهم وجود أفراد من الشرطة العسكرية أعلى مبنى مجاور للمحافظة ولم يشتبكوا معهم، فى تلك الأثناء قررت مجموعة من الشباب العودة إلى التحرير لعدم التزام البعض بسلمية المظاهرة وإصرارهم على تحطيم محتويات مبنى المحافظة الخارجية، أعضاء حركة «البلاك بلوك» لم يتواجدوا بتلك المظاهرة منذ بداياتها، لكن تم رصد شاب يمسك بمسدس خرطوش محلى الصنع وسط المتظاهرين، شباب صغار حاولوا تحطيم بوابة المحافظة بميدان عابدين وظلوا يدفعونها بقوة لعدة دقائق. وقبل أن يتمكن المتظاهرون من فتح البوابة بلحظات انطلقت أول قنبلة من الغاز المسيل للدموع من داخل مبنى المحافظة، ففروا إلى أماكن متباعدة من الميدان.فيما جرى البعض إلى شوارع جانبية هرباً من أدخنة الغاز الكثيفة، خلا الميدان تماماً من المتظاهرين، وعادوا إلى شارع عابدين، وتوقفت المناوشات لدقائق، حتى اقترب من المتظاهرين مجموعة من الأفراد كانوا يرتدون زياً مدنياً لم يتم التعرف على هويتهم، وتبادلوا معهم تراشق الحجارة لفترة قصيرة، وبلغت الاشتباكات ذروتها عندما تم إطلاق طلقات من رصاص الصوت، ظن المتظاهرون أنه رصاص حى وتراجعوا فى البداية، لكن بعد اكتشاف الأمر قرروا الهجوم عليهم وعلى البوابة مجدداً، ولاموا على زملائهم عدم استثمار الوقت واقتحام البوابة بسرعة لدى وصولهم منذ البداية بحجة أن المظاهرات سلمية، حاولوا تدارك الأمر وألقى أحدهم قنبلة مولوتوف داخل البوابة لكنها لم تطل المبنى. بينما قام آخرون بقذف النوافذ وهو ما قوبل بإلقاء سيل من قنابل الغاز من داخل المبنى وصلت إلى بداية شارع عابدبن الذى يتمركز فيه بقية المتظاهرين، سيارات الإسعاف حضرت بسرعة فائقة إلى المنطقة، صافرات إنذارها المدوية أيقظت أهالى شارع عابدين والشوارع المجاورة. أجواء المنطقة تشير إلى ليلة طويلة من الاشتباكات لم تكن فى الحسبان، أدخنة الغاز تسللت للأهالى عبر النوافذ، يخشون من تكرار سيناريو شارع محمد محمود وقصر العينى خرجوا على نواصى حاراتهم يحذرون المتظاهرين من محاولة دخول العمارات أو اقتحامها متوعدين كل من تسول له نفسه فعل ذلك بالعذاب الأليم، وهو ما تم بعد دقائق قليلة بعد أن اشتبه أهالى حارة عبدالدايم فى صبى رث الثياب أسمر اللون واتهموه بأنه لص بسبب دخوله للحارة بشكل مفاجئ وأشبعوه ضرباً ثم طردوه. بعد ساعة من المظاهرة وقعت مشادات كلامية بين المتظاهرين وأهالى المنطقة الذين طلبوا منهم العودة إلى التحرير وترك ميدان عابدين بسبب إلقاء الشرطة للقنابل المسيلة للدموع التى تخنقهم فى قلب بيوتهم، وهو ما استجاب له أغلبية المتظاهرين وعادوا إلى ميدان التحرير مرة أخرى.